{وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين( 7 ) فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ( 8 ) وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون ( 9 ) وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين( 10 ) وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون( 11 )*وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون( 12 ) فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون( 13 )}
المفردات:
الوحي: الإلهام ،كما جاء في قوله تعالى:{وأوحى ربك إلى النحل ..} [ النحل: 68] .
اليم: البحر ،والمقصود هنا النيل ،وكل نهر عظيم يطلق عليه بحر لاستبحاره .
الخوف: غم يحصل بسبب توقع مكروه يحدث في المستقبل .
الحزن: غم يحدث بسبب مكروه قد حصل .
/م7
التفسير:
7-{وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليوم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين} .
أي: ألهمنا أم موسى ،أو أرسلنا إليها ملكا يطلب منها ذلك ،وهذا الوحي لا يثبت لها نبوة ،لاتفاق العلماء على أن النبوة خاصة بالأنبياء الذكور ،أو كلفت بذلك في النوم .
والمقصود أن الله أعلمها وأمرها أن ترضعه وقتما تكون آمنة عليه ،فإذا خشيت عليه القتل من جواسيس فرعون ،فعليها أن تضعه في تابوت أو صندوق خشبي وتلقيه في النيل ،وقد أمرها الله ألا تخاف عليه الضياع ،ولا تحزن على مفارقته إياها ،فإن الله سيرده إليها بفضله وقدرته ،وعندما يبلغ سن الرسالة سيجعله الله من المرسلين برحمته وفضله .
ملاحق حول هذه الآية
أولا:
اتصال السماء بالأشخاص منّة إلهية ،ووحي الله إلى أم موسى معناه إعلامها بهذا الأمر ،قيل: بواسطة ملك ،وقيل: بواسطة رؤيا منامية ،كرؤيا إبراهيم بذبح ولده ،وقيل: إلهما قذف في قلبها .
ويذكر المفسرون هنا قصة اتصال الملائكة بالناس في أحاديث صحيحة ،مثل قصة الأقرع والأبرص والأعمى ، ii وكانوا مرضى وفقراء ،فأراد الله أن يختبرهم فأرسل ملكا إلى كل واحد منهم ،فطلب كل واحد منهم الشفاء من مرضه ،وأعطى الأول بقرة عشراء ،والثاني ناقة عشراء ،والثالث شاة عشراء ،ثم كثرت أموالهم وصاروا أغنياء أصحاء ،فأراد الله اختبارهم في حالة الغنى ،فأرسل الملاك إلى الأول في صورة شخص أقرع مريض يرجو المعونة ،ولكن الشخص الذي كان أقرع سابقا ،رفض مساعدته ،فذكره الملاك بأنه كان مريضا وفقيرا ،فقال الرجل: إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر ،فقال الملاك: اللهم إن كان هذا الرجل كاذبا فأعده إلى ما كان عليه ،فعاد الرجل فقيرا كما كان مريضا ،كما كان ،وفعل الأبرص مثل الأقرع ،فعاد مريضا فقيرا ،أما الأعمى فقد نجح في الامتحان ،وقال للسائل: خذ ما تشاء من المال ،فوالله لا أمنعك مالا أخذته في سبيل الله ،فقال له الملاك: أمسك عليك مالك ،فقد رضي عنك ،وسخط على صاحبيك .
وفي الحديث الصحيح ،يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء ،فإن يكن في أمتي منهم أحد فعمر ) . iii
وقد سلمت الملائكة على عمران بن حصين ولم يكن نبيا ،كما في تفسير القرطبي .
وفي الحديث النبوي: ( إن رجلا ذهب لزيارة أخ له في الله ؛فأرصد الله له ملكا على مدرجته ،وسأله: أين تذهب ،ولماذا ؟فقال الرجل: أزور أخا لي في الله ،لأني أحبه في الله ؛فقال الملك: إن الله أرسلني إليك لأخبرك أن الله يحبك بحبك لأخيك )iv .
وقد كلمت الملائكة مريم ابنة عمران وبشرتها بعيسى ... إلخ ،كما نزلت الملائكة في غزوة بدر ،وفي غزوة بني قريظة ،وفي غزوتي حنين والطائف ،وفي غيرها من الغزوات والمواقف .
قال تعالى:{هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما} .[ الأحزاب: 43]
وفي الحديث الشريف: ( إن لله ملائكة طوافين عليكم ،فإذا أتوا إلى مجلس ذكر قالوا: هلموا إنا قد وجدناهم ،فيحفونهم بأجنحتهم ويشملونهم بالرحمة والسكينة ..)v إلى آخر الحديث .
وكلها تلتقي على أن الله تعالى يسخر الملائكة لإنفاذ أمره ،وتيسير مراده ،ورعاية المؤمنين ،ومعاقبة المفسدين .
ثانيا:
اشتملت الآية القرآنية على أمرين ونهيين ،وخبرين وبشارتين .
يروى أن امرأة أنشدت شعراvi ،فمدح الأصمعي فصاحتها وبلاغتها ،فقالت: أبعد قوله تعالى:{وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ..} فصاحة ،وقد جمعت بين أمرين ونهيين ،وخبرين وبشارتين ،وتفصيل ذلك:
أن قوله تعالى:{أرضعيه وألقيه} أمران .
وأن قوله تعالى:{لا تخافي ولا تحزني} نهيان .
وقوله تعالى:{إنا راده إليك ،وجاعلوه من المرسلين} خبران وبشارتان .
ثالثا:
يروى المفسرون هنا قصصا كثيرا حول بطش فرعون ببني إسرائيل ،ومن ذلك ما ورد في تفاسير: ابن كثير ،ومقاتل بن سليمان ،والقرطبي وغيرهم .
وخلاصته:
أن فرعون رأى رؤيا فيها أن نارا جاءت من بني إسرائيل فأحرقت عرشه ،ففسرها الكهان بأن طفلا يولد في بني إسرائيل يكون على يديه نهاية ملكه ،فأمر أن تقتل الذكور من بني إسرائيل وتستحيى الإناث ،فقتل فرعون الآلاف من أطفال بني إسرائيل ،ليموت موسى بينهم ،بيد أن عناية الله جعلت فرعون يلتقطه ويربيه ويرعاه لتكون نهايته على يديه ،فإذا أراد الله أمرا هيأ له الأسباب ،ثم قال له كن فيكون .
رابعا:
ولد موسى في ظروف صعبة ،فأرضعته أمه ثلاث أشهر ،وقيل: أربعة أشهر ،حتى خشيت عليه من جواسيس فرعون ؛فصنعت له تابوتا على هيئة صندوق من ورق البردي ودهنته بالقار وأغلقت الصندوق ،ووضعته في البحر ،وشتان بين صبي في حضن أمه وثديها وحنانها ،ونفس هذا الصبي يلقى في البحر عند الخوف عليه ،فيلقي الله عليه المحبة ،فكل من رآه أحبه ،وتصنع الأقدار ما تشاء ،لتجعل من هذا الصبي المنقذ لبني إسرائيل ،ولتكون نهاية فرعون على يديه .