إن الإيمان قوّةٌ عميقةٌ في داخل الذات من خلال الفطرة الصافية التي تعيش في الأعماق ،ولكن الإنسان قد يغفل عنها من خلال أسباب الغفلة التي تحجبه عن مكامن الوعي في داخله ،ولهذا فإنه ينتبه إلى ذلك عندما يتحداه السؤال بما يشبه الصدمة التي تهز فيه كل عناصر القوّة الإيمانية في شخصيته المسلمة ،فيجيب عن السؤال المتعلق بكل أحداث الكون التي يتحرك الرزق من خلالها ،بأن الله هو الذي يقف خلفها ويشرف عليها ،ليكون الإيمان به هو الأساس في كل حركةٍ وموقع .
الله خلق السموات والأرض
{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضَ} ومن أودع فيهما حكمته وقوّته ومواطن الرزق في تدبيره ،ومن أبدع الظواهر الكونية والسنن الإنسانية في حركتهما حتى استطاع الإنسان أن يطمئن للحياة فيهما بكل طمأنينةٍ وراحة ،{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} ليعطيا الحياة الإشراق والدفء ،ويمنحاها عناصر الامتداد في ما يتحركان فيه من نظام دقيق يعطي الإنسان توازنه من خلالهما{لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} فهو الخالق والمدبّر والمسخّر .وتلك هي الحقيقة الفطرية العميقة التي تفرض نفسها على قناعاتهم ،لأنهم لا يرون أيّة قوّة أخرى ممّن حولهم جديرة بأن تكون هي التي تفعل ذلك كله ،باعتبار أن كل القوى حادثة مفتقرة إلى من يعطيها سرّ الوجود وسرّ الحركة والامتداد فيه ،كما أنهم لا يرون أن الحياة يمكن أن تنطلق بعيداً عن الخالق ،لأنها لا يمكن أن تُخلق من لا شيء أو تخلق نفسها .ولهذا فإن حضور الله في الكون ،هو الحضور القويّ الذي يفرض نفسه على الفكر والوجدان والحياة .
وإذا كان هذا هو الجواب فكيف يتصرفون هذا التصرف المضادّ للحقيقة ،{فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} أي يصرفون عن الحق ،ويبتعدون عن الالتزام بنهجه في إطاعة أمر الله ونهيه ،وفي الاعتراف بأن الله هو وحده مصدر كل شيء في الوجود ،فلا شيء إلا وهو مخلوق له ومستمدٌ منه .