/ت139
[ أم حسبتُم أن تدخلوا الجنَّة ولما يعلم اللّه الذين جاهدوا منكم ويعلم الصَّابرين] كان حديث الآيات الثلاث السابقة ،هو حديث التجربة الحيّة في المعركة ،وكيف يمكن الاستفادة منها بالتخفيف من سلبياتها ومضاعفة إيجابياتها ،ودراسة أهدافها القريبة والبعيدة ؛أمّا في الآيتين الأخيرتين ،فنُلاحظ أنَّ الحديث يتخذ بُعداً آخر ،وهو مواجهة المؤمنين في الآية الأولى بالميزان الإسلامي للدخول إلى الجنّة ،وهو العمل الصالح المتحرّك في خطّ الصبر والجهاد الذي يعبّر عن نفسه في الممارسات الصعبة التي يخوضها المجاهدون والصابرون الذين يضعون حياتهم في كفّة الميزان ،وإيمانهم وعقيدتهم في الكفّة الأخرى ،فترجح كفّة الإيمان والعقيدة على كفّة الحياة ،فيقدّمون حياتهم ضحيّة على مذبح إيمانهم وعقيدتهم ،فليست الجنَّة منحة مجانية يمنحها اللّه للكسالى الذين يقضون أيامهم في استرخاء نظري كسول ،يُمارسون فيه ترف الفكر وغيبوبة الروح في أجواء الفراغ ،ثُمَّ يبدأون بالتنديد بالطلائع المجاهدة التي تقف في مواقع الخطر في خطّ الجهاد ،ليحطموا معنوياتهم ويهدّموا روحهم بالأساليب المتلوّنة الخبيثة .فمن أراد الجنَّة ،فلا بُدَّ من أن يسعى نحوها بوسائلها التي يقف الجهاد في طليعتها ليقود الإنسان إلى جنّة اللّه ،كما تزف العروس إلى زوجها في ليلة العرس .
وفي هذا الجوّ ،لا بُدَّ للإنسان المؤمن الذي يفكّر بالجنّة من أن يطلبها في حركة الواقع الصعب ،وفي ساحات الجهاد المرّ ،لا في ساحات المساجد ومحاريبها فحسب ؛حتّى المسجد كان في أيام الإسلام الأولى منطلقاً لصيحات الجهاد التي تختلط بأذان الصلاة لتأكيد أنَّهما ينطلقان من قاعدة واحدة ،وهي الإخلاص في مواقف العبودية الخالصة ؛ولكنَّ المدّ الإسلامي قد انحسر عن الحياة عندما ابتعد المسلمون عن الجهاد .