قوله تعالى:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ 142} .
أنكر اللَّه في هذه الآية ،على من ظن أنه يدخل الجنة دون أن يبتلى بشدائد التكاليف التي يحصل بها الفرق بين الصابر المخلص في دينه ،وبين غيره وأوضح هذا المعنى في آيات متعددة كقوله:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب 214} ،وقوله:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وليجة والله خبير بما تعملون 16} ،وقوله:{الم 1 أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ 2 وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ 3} .
وفي هذه الآيات سر لطيف وعبرة وحكمة ،وذلك أن أبانا آدم كان في الجنة يأكل منها رغدًا حيث شاء في أتم نعمة وأكمل سرور ،وأرغد عيش .كما قال له ربه:{إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى 118 وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا وَلاَ تَضْحَى 119} ،ولو تناسلنا فيها لكنا في أرغد عيش وأتم نعمة ،ولكن إبليس عليه لعائن اللَّه احتال بمكره وخداعه على أبوينا حتى أخرجهما من الجنة ،إلى دار الشقاء والتعب .
وحينئذ حكم اللَّه تعالى أن جنته لا يدخلها أحد إلا بعد الابتلاء بالشدائد وصعوبة التكاليف .فعلى العاقل منامعاشر بني آدمأن يتصور الواقع ويعلم أننا في الحقيقة سبي سباه إبليس بمكره وخداعه من وطنه الكريم إلى دار الشقاء والبلاء ،فيجاهد عدوه إبليس ونفسه الأمّارة بالسوء حتى يرجع إلى الوطن الأول الكريم ،كما قال ابن القيم:
ولكننا سبي العدو فهل ترى *** نرد إلى أوطاننا ونسلم
ولهذه الحكمة أكثر اللَّه تعالى في كتابه من ذكر قصة إبليس مع آدم لتكون نصب أعيننا دائمًا .