/ت139
وتتحرّك الآية الثانية في خطّ التحدّي للتمنيات السابقة على المعركة التي كان المؤمنون يعيشونها في داخل أنفسهم: [ لقد كنتم تمنَّون الموت من قبل أن تلقوه] .فقد كانوا يتمنَّون قتلاً في سبيل اللّه ليحصلوا على جنّته ورضوانه مما كان القرآن يحدّثهم عمّا أعدَّ اللّه للمجاهدين من فضلٍ وكرامة وسعادة في الدار الآخرة عنده ،ولكنَّ التمنيات كانت تعيش في الفراغ خارج نطاق التجربة الصعبة ،فلم يكن هناك معارك تفرض نفسها على الساحة ،ولا اضطهاد وتشريد ومواجهة أخطار ،كما هي حالة الكثيرين منّا عندما يقفون خلف المنابر فيهزونها بخطاباتهم الحماسية ،وأساليبهم البلاغية ،ودعوتهم للموت في سبيل اللّه ...
وجاءت التجربة في معركة أحد ،وكان الموت يركض في هذا الموقع ،ويقف في ذلك ،ويرفرف على رأس هذا ،ويتحرّك حركة صاعدة وهابطة في هذا الاتجاه أو ذاك ؛وبدأ التردّد والقلق ،وانطلقت نقاط الضعف في حركة التفاف حول أحلام الإنسان ونوازعه الذاتية ،وجاء القرآن ليُخاطب هؤلاء ويُخاطبنا من خلالهم ،ويؤكّد أنَّ الأمنية قد تجسّدت في الموقف ،فها هو الموت أمامكم ،حدّقوا به كيف يتحرّك في خطّ الشهادة ،[ فقد رأيتموه وأنتم تنظرون] لقد رأيتموه ،فكيف تواجهون الموقف ؟!ويسود الصمت ،فلا تتحدّث الآية عن التفاصيل ،ولكنَّها تترك للمؤمن أن يفكّر ليمتد تفكيره في اتجاه المسؤولية التي تقف في الخطّ الفاصل بين الدُّنيا والآخرة .