/م26
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} إنه نداء لله الذي تحيا عقولنا وقلوبنا معه وتستمد حياتنا امتدادها منه وتعيش حيويتها وحركيتها وإمكاناتها من امتداد رحمته ولطفه .أنت مالك الملك كله ومبدع الوجود الذي يستمد وجوده منك ،فكل الملك منك ومرجعه إليك ،سواء كان ملكاً حقيقياً في معنى الاحتواء أو ملكاً اعتبارياً كأنظمة وقوانين تحكم العلاقات بين الناس .
{تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ} من خلال إرادتك التي أخضعت النظام الكوني للقوانين الطبيعية والسنن الكونية وجعلت السببية أساس حركة الوجود كله في الإنسان والحيوان والنبات والجماد ،فلا تتحقق النتائج إلا من خلال مقدماتها ،ولا تحصل المسببات إلا بأسبابها ،وهذا ما يجعل الأمور تتحرك من خلال طبيعتها الذاتية ،فقد تكون النتائج سلبية في موقع ،كما قد تكون إيجابيةً في موقعٍ آخر ،ولكنها في الخط العام تمثل الإيجابية النظامية التي تتمثل في انتظام الوجود في خط واحد لا بد له من أن يلتقي ببعض الحدود التي تمثل حاجزاً أمام الخير والصلاح في جزئياته ،لأن المحدود لا يمكن أن ينتج المطلق أو يتحرك من خلاله ،وتلك هي حكمتكيا ربالتي يلتقي في حركتها الملك الصالح والملك الفاسد ،وينطلق معها الخيّرون والشريرون ،ليكون الصراع هو سنّة الحياة التي تتمثل في داخلها مسيرة التجربة الإنسانية التي يكبر فيها الإنسان وينمو ويتطور وينطلق في اتجاه النتائج الإيجابية في نهاية المطاف ،من حيث إن السلب في حركيته الصراعية قد ينتج في عناصر الضغط معنى الإيجاب .
{وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ} في إرادتك التي تتصل بالشيء مباشرة أو بواسطة السنن الكونية ،لأن حكمة الله اقتضت أن لا يدوم الملك لأحد ،وأن لا تستمر الحياة على وتيرةٍ واحدةٍ ،لأن مسألة التغيير هي التي تمنح الحياة حيويتها وتساعدها في نموّها وتطوّرها ،وبذلك يحدث زوال الملك عن شخص ،كما يحدث زوال الحياة عن شخص آخر ،لأن قانون الحياة والموت يحكم الموجودات في وجودها الذاتي وفي عوارض هذا الوجود ومتعلقاته .
{وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ} بقدرتك الغيبية التي تعطي إنساناً كل العناصر التي تجمع له ظروف العزة في الذات وفي الموقع والموقف ،كما تمنع إنساناً آخر ذلك ،فيعيش الذل من خلال عدم توفر عناصر العز ،أو من خلال الظروف الموضوعية التي تفرض عليه الذل من خلال اختياره الذاتي الذي قد يحسن وقد يسوء تبعاً لإرادته ولحركة علاقته بالحياة وبالظروف وبالأشياء ،أو من خلال الأجواء المحيطة به ،وهذا ما يجعل عبادك يتوجهون إليك في ابتهالاتهم الخاشعة ودعواتهم الخاضعة لتفيض عليهم رحمتك ،فتمنحهم الملك الذي يحتاجونه والعز الذي يتطلعون إليه ،وتمنع عنهم سطوة المستكبرين وإذلال الظالمين .
{بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيء قَدِيرٌ} فهو المهيمن على كل ما يكفل للحياة امتدادها من خيرات ونعم ،فهي بيده لا بيد غيره ،وهو القادر على كل شيء منها في جانب المنع والعطاء .