{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ} فيوجده من عدم{ثُمَّ يُعِيدُهُ} بعد الموت ليعود خلقاً حيّاً من جديد{وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} لأنَّ الإعادة أسهل من البدء ،باعتبار أنه يمثل الخلق من غير مثال ،بينما تمثل الإعادة الإنشاء على صورة الإنشاء الأوّل من خلال النموذج السابق .
وقد أثار المفسرون الجدل حول معنى الآية ،لأنها جعلت الإعادة أهون على الله من البدء ،وذلك يعني اختلاف قدرته في تعلقها بالأشياء في ميزان السهولة والشدة ،وهذا منافٍ للقدرة الإلهية المطلقة التي لا يختلف حالها في تعلقها بشيء دون شيء ،ما يجعل تعلقها بالسهل والصعب على حَدٍّ سواءٍ .والظاهر أن المشكلة انطلقت من خلال التركيز على كلمة «عليه » التي توحي بالتفاضل بين الأهون والأصعب في قدرة الله ،لأنه موقع التفاضل في التعبير .ولكن المتبادر هو ما ذكره الزمخشري من أن التفضيل إنما هو للإعادة في نفسها بالقياس إلى الإنشاء الابتدائي لا بالنسبة إليه تعالى[ 1] .ووقوع التفضيل بين فعل منه وفعل لا بأس به كما في قوله تعالى:{لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [ غافر:57] » .
ولا وجه لما اعترض به صاحب تفسير الميزان بقوله: «وفيه أن تقييد الوصف بقوله: «عليه » أصدق شاهد على أن القياس الواقع بين الإعادة والإنشاء إنما هو بالنسبة إليه تعالى لا بين نفس الإعادة والإنشاء ،فالإشكال على ما كان »[ 2] .
وقد نلاحظ على هذا الاعتراض ،أنَّ احتمال اختصاص القياس بالله هو أمكن أن تكون هناك خصوصية في فعله تستدعي الاختصاص ،وهذا غير وارد ،لأن هذا الموضوع ،في مسألة القياس ،منطلق من طبيعة الأشياء ،مما لا يجعل هناك فرق ذاتي بين صدورها من الله أو من خلقه .
لله المثل الأعلى
{وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضِ} فلا يدانيه في صفاته شيء ولا يساويه شيء ،لأن كل صفة كمال في أيّ موجود ،هي مستمدة منه وراجعةٌ إلى إرادته ،ومشتملةٌ على جانب معين من جوانب النقصان ،أمّا صفاته ،فهي الكمال المطلق الذي لا يعتريه نقص ،ولا تشوبه شائبة ،وهي فوق كل شيء{وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الذي لا ينتقص أحد من عزته في ساحة جلاله وقدرته ،ولا ينال أيّ حدثٍ من حكمته المتمثلة في كل فعل من أفعاله .