إنّ القرآن يثبت في هذه الآيةبأوجز الاستدلالمسألة إمكان المعاد ،إذ يقول لهم: إنكم تعتقدون أن بداية الخلق من قبل الله ،فعودة الخلق مرّة أُخرى أيسر وأهون من بداية الخلق !.
والدليل على أن عودة الخلق أهون من البداية ،هو أنّه في البداية لم يكن شيء ولكن الله هو الذي أبدعه ،وفي الإعادة توجد المواد الأصلية على الأقل ،فبعضها في طيّات التراب ،وبعضها متناثر في الفضاء ،وإنّما تحتاج إلى نظم وإلى إعطائها صورتها الأُولى فحسب ،فهي أهون !
ولكن من الضروري أن نلتفت إلى هذه «اللطيفة » ،وهي أنّ التعبير بالهيّن والصعب ،هو من خلال نافذتنا الفكرية ،وأمّا بالنسبة للقادر المطلق فلا فرق عنده بين «الصعب والسهل » .
وأساساً فإنّ «الصعب والسهل » يصدقان مفهوماً في مكان يكون الكلام عن قدرة محدودة ،كأن يستطيع أحد أن يؤدي عملا بصورة جيدة ،والآخر لا يؤديه بصورة جيدة ،بل بمشقّة ،أمّا حين يكون الكلام على قدرة لا حدّ لها ،فلا معنى للصعب والهيّن هناك !
وبتعبير آخر: إنّ حمل «أعظم الجبال » على الأرض بالنسبة إلى الله وحمل أخف الأشياء عليها عنده سواء ،لقدرته التي لا يعظم عليها شيء .
وربّما كان لهذا السبب أن عقّب القرآن في ذيل الآية مباشرة بالقول: ( وله المثل الأعلى في السماوات والأرض ) .
لأننا لو تصورنا أي وصف كمالي لأي موجود في السماء والأرض ،من علم وقدرة وملك وعظمة وجود وكرم ،فمصداقه الأتم والأكمل هو عند الله ،لأنّ الجميع لديهم المحدود من الصفات ،إلاّ هو وحده فإنّ لديه الأوصاف غير المحدودة ،والجميع لديهم أوصاف عارضة ،أمّا أوصاف الله فذاتية ،وهو مصدر الكمالات وأساسها .
حتى الألفاظ التي تجري على ألسنتنا لبيان مقاصدنا يوميّاً ..لا يمكن أن تكون مبينة لأوصافه ...كما هو في تعبير «أهون » الذي نجده مثلا عندنا .
والجملة الآنفة هي كالآية ( 180 ) في سورة الأعراف ،إذ ورد فيها ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) والآية ( 11 ) في سورة الشورى إذ يقول: ( ليس كمثله شيء ) .
وتنتهي الآيةبما هو ضرب من التأكيد أو الدليل ،إذ يقول سبحانه:( وهو العزيز الحكيم ) .
هو عزيز لا يقهر ،إلاّ أنّه وفي منتهى قدرته غير المحدودة لا يصدر منه فعل غير دقيق ،فكل أفعاله وفق حكمته .