هل يملك الإنسان نفسه ،وما هو موقع إرادته في مسألة التحوّل البدني في مراحل النمو ،وفي حركة القوّة ،أم أن الله يملك ذلك كله من دون أن تكون للإنسان أيّة إرادةٍ في ذلك ،فليس له من الحركة في داخل جسده ،إلا ما مكَّنه الله من إدارة التفاصيل المتعلقة به .
هذا هو السؤال الذي تجيب عنه هذه الآية لتوجه الإنسان إلى التفكير الجادّ في حركة النموّ في داخل جسده ،ليعرف مواقع تدبير الله له ،وخضوع حياته كلها إليه ،لينفتح عليه من موقع الإيمان والطاعة ،ويسلِّم أمره له في كل شيء .
{اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ} يتمثل في مرحلة الطفولة ،لأن الإنسان لا يملك فيها عناصر القوّة التي يملك معها الاستقلال في حياته ،وربما فسّرها البعض بالنطفة التي تمثل الضعف كله في طبيعتها ،{ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ} تتمثل في مرحلة الشباب التي هي قمّة الحيوية في مراحل النمو الجسدي للإنسان ،{ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً} وهي مرحلة الشيخوخة التي يدب فيها الوهن إلى كل مفاصل الإنسان الجسدية فتضعف حركته ،وربما يضعف عقله بسبب ذلك ،{يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} في ألوان الخلق وأشكاله وأوضاعه{وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} لما يمثله العلم من مواقع الحكمة في خلقه ،وفي ما توحي به القدرة من مواقع القوّة في الإيجاد من خلال مشيئته في إدارة الكون كله .