{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ} ،فآدم الذي تناسل الخلق منه هو من تراب ،أو أن مصدر النطفة من الغذاء كان تراباً فتحوّل إلى دم ،{ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} تحمل في داخلها سرّ الحياة بقدرته ،{ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً} فخلق من هذه النطفة التي لا تتميز بشيء في شكلها ،ذكوراً وإناثاً ،وقيل: أصنافاً بيضاً وسوداً ،وربما كان المراد الزوجية من كل الجهات .فهو الذي خلق ذلك كله ،وهو المسيطر على حركة الخلق كله ،وهو المحيط بكل تفاصيله .{وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ} فهو الذي حدّد للحمل سرّه ووقته ،وهو الذي وضع له قانون النمو والتكامل حتى يحين موعده الذي يحيط به بعيداً عن كل الأسباب المادية التي قد يُطلع عليها بعض عباده ،فيعلمون ما أراد لهم أن يعلموه .
{وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ} يطيل به العمر الذي قد يمتد إلى زمن طويل يصل إلى الشيخوخة ،{وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} ،بحيث ينتهي في وقت مبكر ،كما في وقت الصبا أو الشباب{إِلاَّ فِي كِتَابٍ} الظاهر أن المراد به الكناية عن علم الله ،باعتبار أن الكتاب يمثل مستودع العلم ،وربما كان المراد به اللوح المحفوظ الذي كتب فيه آجال الخلق التي لا تتغير ،{إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} لأن قدرة الله تتناول الكليات والجزئيات بما يدبره الله منها بكل دقّة وإتقان ،كما أن علم الله الذي لا حدّ له يحيط بذلك كله ،لأن خالق الأشياء لا بد من أن يحيط بها في كل مجال .