{أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} ممن دمرهم الله من دون أن يتمكنوا من التخلص من هذه العاقبة ،{وَكَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} فلم تنفعهم القوّة التي قد تنفع مخلوقاً قوياً في مواجهة مخلوقٍ قوّيِّ مثله ،فتختلف موازين النتائج تبعاً لاختلاف موازين القوّة ،ولكن ماذا تنفع القوّة أمام خالق القوّة الذي يملك القوى بكل عناصر قوّته ،ليذهب بها في لحظةٍ واحدةٍ ،فتتبخّر في الهواء ،فكيف يفكر هؤلاء الذين يقومون باستعراض قوّتهم أمامك أو أمام أنفسهم ،ليشعروا بأنهم قادرون على التمرد على الله ،وأن أمرهم سوف يعجزه ،فلا يستطيع القضاء عليهم ،ولا ردّ ما يريدون ،{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ} لأنه المالك لكل ما في الوجود ،والمسيطر عليه ،فكيف يعجزه شيءٌ منه مما لا استقلال له بذلك ،ولا قدرة له في وجوده ،بل هو خاضعٌ لله في حركته ،ومشدودٌ إليه بوجوده ،{إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} يعلم كل شيء ويقدر عليه .ولكن ،كيف يكفر الناس ويستمرون في طغيانهم وكفرهم ،وكيف يعصون الله ،ويبقون أقوياء في مواجهتهم له في ما يأمرهم به أو ينهاهم عنه ؟وكيف نفسّر القدرة المطلقة لله التي لا يعجزها شيء وقدرة هؤلاء المضادّة الممتدّة في الحياة ؟
لقد جعل الله للحياة نظاماً ثابتاً تخضع له كل الظواهر الكونية والإنسانية في حركتها ،فلم يجعل العقاب مرتبطاً بالعمل ارتباط المعلول بالعلة ،من دون أيّ فاصلٍ زمنيٍّ بينهما ،بل جعل له موعداً نهائياً في اليوم الآخر ،لتتحرك تجربة الانحراف إلى جانب تجربة الاستقامة ،وليدور الصراع بينهما ،فيغلب هذا تارةً وتغلب تلك أخرى ،لتتحرك القناعة من خلال الفكر المتحرك بين التجربتين ،وينطلق الموقف من خلال الإرادة المنطلقة مع الموقفين ،لأن لله حكمته في أن تعيش الحياة غنى التجربة الإنسانية في الصراع بشكل عميق ومتحرك .