من نماذج الأساليب اليهودية في عداواتهم للمسلمين
وينطلق القرآن إلى واقع حياة المسلمين في مجتمعهم الذي يعيش فيه غيرهم ؛من اليهود الذين أوتوا الكتابوهو التوراة،ولكنهم حرّفوه عن معانيه الحقيقية ،ووقفوا وجهاً لوجه أمام النبي محمد( ص ) وأتباعه ،ليعلنوا عليهم الحرب سراً وجهراً .وكان من بين أساليبهم استعمال التوراة كسلاح ديني ،يحاولون من خلاله تضليل المسلمين وخلق أجواء الشك في داخلهم ،ليبعدوهم بذلك عن حالة الإيمان والطمأنينة ،فيكون ذلك سبباً في تهديم القاعدة الداخلية للإسلام في المجتمع الإسلامي .
وينطلق القرآن ،ليحدد ملامح هؤلاء وليكشف أساليبهم المتلوّنة ،وليخلق في داخل الوعي الإسلامي طرق المواجهة الواعية التي تعرف كيف تتعامل مع أعدائها ،كما تعرف كيف تتعامل مع أصدقائها فلا يختلط عليها العدو مع الصديق ،ولا يشتبه عليها أسلوب التعامل مع الأعداء بأسلوب التعامل مع الأصدقاء .فإن الله يريد للمؤمن أن ينفتح على الحياة من موقع وضوح الرؤية للناس وللأشياء ،لأن الإنسان الذي يتعامل مع القضايا بوضوح سيبقى في طريق النور ،ولن يضلّ السبيل في أي مجال من المجالات .
وهكذا وجَّه الله الخطاب إلى النبي ،ليكون هو الذي يفتح عيون الناس على الحقيقة ؛ثم خاطب المسلمين ،ليوحي إليهم بأنه يخاطبهم من خلال رسول الله ،لأنه( ص ) لا ينطلق معهم من خلال ذاته ،بل من خلال رسالته ،التي تحتويهم جميعاً .
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً} فهم لم يحصلوا على الكتاب كله ،بل على نصيب منه ؛لم يعيشوا معه في أفكارهم ومشاعرهم ،ولم يندمجوا مع خططه ومعانيه الروحية ،بل أخذوه بأطراف ألسنتهم ،ليستغلوا ذلك في أطماعهم وشهواتهم .
{يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ} وتلك هي ملامحهم ؛فإنهم لا يسيرون في خط الهدف الباحث عن الحقيقة ،ليرتبطوا بها ،ولينقلوا خطواتهم مع خطوات الآخرين السائرين في هدى الله ،ليزدادوا هدىً بهداهم ،بل إنهم يسيرونعلى العكس من ذلكفي خطوات الضلال ؛فقد حدّدوا لأنفسهم هذا الاتجاه ،انطلاقاً من أطماعهم وشهواتهم ،وبدأوا يبحثون عن الوسائل التي تمكنهم من الوصول إلى ما يريدون ،فاشتروا الضلالة بكل ألوانها ووسائلها وأهدافها ،وانحرفوا عن الهدى الذي شاهدوه نصب أعينهم ،ولم يقتصروا في ذلك على أنفسهم ،بل عملوا على أن يضللوا الآخرين الذين اتبعوا الهدى فكراً وعملاً .وهكذا خاطب الله المسلمين وحذّرهم أن ينتبهوا إلى ذلك كله ،فيعرفوا ملامحهم ويتعرفوا إلى مقاصدهم في تضليلهم .