وقوله تعالى:
( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل44 ) .
( ألم تر ) من رؤية القلب .وضمن معنى الانتهاء .أي:ألم ينته علمك اليهم .أو من رؤية البصر .أي:ألم تنظر ( الى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ) أي حظا من علم التوراة .وهم أحبار اليهود .قال العلامة أبو السعود:المراد بالذي أوتوه ،ما بين لهم فيها من الأحكام والعلوم التي من جملتها ما علموه من نعوت النبي صلى الله عليه وسلم وحقية الاسلام .والتعبير عنه بالنصيب ،/ المنبئ عن كونه حقا من حقوقهم ،التي يجب مراعاتها والمحافظة عليها ،للايذان بكمال ركاكة آرائهم حيث ضيعوه تضييعا .وتنوينه تفخيمي مؤيد للتشنيع عليهم ،والتعجيب من حالهم .فالتعبير عنهم بالوصول للتنبيه بما في حيز الصلة على كمال شناعتهم .والاشعار بمكان ما طوى ذكره في المعاملة المحكية عنهم من الهدى الذي هو أحد العوضين ( يشترون الضلالة ) وهو البقاء على اليهودية ،بعد وضوح الآيات لهم على صحة نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ،وأنه هو النبي المبشر به في التوراة والانجيل .أي يأخذون الضلالة ويتركون ما أوتوه من الهدى ليشتروا ثمنا قليلا من حطام الدنيا .
وانما طوى ذكر المتروك لغاية ظهور الأمر .لاسيما بعد الإشعار المذكور .والتعبير عن ذلك بالاشتراء ،الذي هو عبارة عن استبدال السلعة بالثمن ،أي أخذها بدلا منه ،أخذا ناشئا عن الرغبة فيها والإعراض عنه – للإيذان بكمال رغبتهم في الضلالة ،التي حقها أن يعرض عنها كل الإعراض .وإعراضهم عن الهداية التي يتنافس فيها المتنافسون .وفيه من التسجيل على نهاية سخافة عقولهم ،وغاية ركاكة آرائهم – ما لا يخفى .حيث صورت حالهم بصورة ما لا يكاد يتعاطاه أحد ممن له أدنى تمييز .قاله أبو السعود:( ويريدون أن تضلوا السبيل ) أي لا يكتفون بضلال أنفسهم بل يريدون بما فعلوا ،من كتمان نعوته صلى الله عليه وسلم ،أن تضلوا أيها المؤمنون سبيل الحق كما ضلوا ،ويودون لو تكفرون بما أنزل عليكم من الهدى والعلم النافع .