الموقف ممن يقاربون أهل النفاق
وهناك جماعة أخرى قريبة من هذه الجماعة ،ولكنها تختلف عنها في بعض الخصائص{سَتَجِدُونَ ءَاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ} وهؤلاء هم الذين يريدون أن يحصلوا على الأمن من كلا الطرفين ،ولكن لا عن ضيق أو حرج في نفوسهم من القتال ،بل عن حب للحياة مع العمل على أن يأخذوا الحرية لأنفسهم في التحرك في الفتنة ،من خلال أجواء الأمان الممنوحة لهم .
{كُلَّ مَا رُدُّواْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا} ،فهم يخضعون لنوازع الفتنة ،ويستسلمون لعواملها ومؤثراتها ؛فإذا حصلت لهم الظروف المساعدة ،وقعوا فيها .وقد حكم الإسلام على هؤلاء بأن يقدّموا للمسلمين الدليل العملي الصادق على طبيعة الأمان التي يطلبونها في ممارساتهم تجاه المسلمين ،باعتزال القتال وإلقاء السلام إليهم وكف الأيدي عنهم ،وإذا تمرّدوا على ذلك وحاولوا أن يلعبوا وينافقوا بعيداً عن وضوح الموقف وصراحته ،كان للمسلمين أن يعاملوهم معاملة المشركين ،لوحدة الموقع في المعركة مع اختلاف في الأسلوب.
{فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّواْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ} أي أينما وجدتموهم{وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً} وحقاً ثابتاً من أجل الدفاع عن الإسلام والمسلمين ودحر الكفر والكافرين .
استيحاء الدروس من هذه الآيات:
وقد نستوحي من هذه الآيات بعض الملامح العامة لمواقفنا العملية في ساحة الدعوة إلى الله منها:
1أن يتعمق العاملون في دراسة النماذج البشرية الموجودة في الساحة من الفئات المنافقة ،ولا يستسلموا للأجواء الحميمة وتقديم التنازلات ،لمجرد أن هناك هدفاً لهداية الناس ينبغي للمسلم أن يستهدفه ،بل لا بد من دراسة تاريخ هؤلاء في سلوكهم العملي ،والتعرف على حركتهم في الحاضر ،لنعرفمن خلال ذلكما هي الفرص التي قدّمت إليهم في هذا السبيل ،وما هي الظروف التي منعت من إقبالهم على انتهازها ،وما هي الإمكانات الحاضرة والمستقبلة التي يمكننا من خلالها خلق ظروف جديدة لهدايتهم ؟إننا نؤكد على ذلك ،ليخرج العمل الإسلامي من أجواء السذاجة المنطلقة من حالة الطهارة الروحية البريئة التي يعيشها العاملون ،فيتحركون في الفراغ ،ويبذلون الجهد الضائع ،وربما يستغل أولئك المنافقون هذا الإلحاح الإيماني على هدايتهم ،فيوحون للعاملين بأنهم سائرون في هذا الاتجاه ،مما يفتح لهم أبواب المجتمع المؤمن من موقع الثقة ،فيعبثون فيه كما يشاؤون ،ثم ينقلبون إلى جماعاتهم من دون أن يحصل المؤمنون على ما يريدونه منهم .
2أن نستوحي من الفقرة الكريمة في قوله تعالى:{وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ} أن على المؤمنين أن يأخذوا الحذر في علاقتهم بالفئات التي تحمل هذا التفكير وتعمل لهذا الهدف ،سواء كان ذلك على مستوى أحزاب الكفر والضلال ،أو على مستوى الأفراد والجماعات المنافقة ،فعليهم أن لا يتخذوا منهم أولياء ؛بل يعملوا على أن يعاملوهم معاملة الأعداء من حيث الحذر في الموقف والعلاقة والمعاملة ،ليأمنوا شرّهم ويحفظوا الناس من الوقوع في حبائلهم .
3أن ندرس حالة الحياديين ،فنميّز بين الذين يحملون الحياد كموقف ينطلق من قناعاتهم النفسية ،فنحترم حيادهم تبعاً لمصلحة الإسلام والمسلمين في حالة الصراع بيننا وبين الفئات المعادية ؛وبين الذين يلعبون بالحياد كورقة يحصلون فيها على امتيازات من حيث الأمن ،ويمنحهم حرية الحركة في اللعب على أكثر من حبلمن أجل الحصول على مكاسب ماديةأو في إيقاد نار الفتنة من أجل الوصول إلى أهداف عدوانية لمصلحة الكفر والكافرين ،فنأخذ جانب الحيطة في موقفنا منهم ،بالتأكيد على إلغاء الفرص التي تسمح لهم باللعب ،وتقييد حريتهم بالوسائل العملية الواقعية ؛لنحفظ الساحة من كل دعاة الفتنة والضلال .