{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} على الله ،فنسب إليه ما صنعه بأسلوبه البلاغي الذاتي ليعطي كلامه لوناً من القداسة .وهذا هو الأسلوب الثاني الذي حاولوا من خلاله الإساءة إلى شخص الرسول بوصفه بالكذب ،وإلى القرآن باعتباره كلام مخلوقٍ لا كلام الله .
{قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً} فإن الله لا يغفر لمن يكذب عليه ،ولن يستطيع أحدٌ منهم ولا من غيرهم أن ينصره من الله أو يخلّصه من عذابه ،ما يجعل الافتراء على الله عملاً غير عقلاني بالنسبة لمن لا يملك أيّة فرصة لحماية نفسه من تأثير عمله السلبي .ولا أريد أن أردّ عليكم حول هذا الموضوع بشكل مباشر ،ولكني أرجع الأمر إلى الله ،{هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ} وهو الذي يحدّد قضية الصدق والكذب في هذه المسألة بشكل حاسم ،{كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} فهو يعلم أن القرآن الذي أتلوه عليكم ،هو الوحي الذي أنزله عليَّ ،وهو الشاهد القادر على إظهار الحق أو الباطل بطريقته الخاصة ،وشهادته بصدق كلامي ستظهر إن عاجلاً أو آجلاً ،{وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الذي يغفر لعباده خطاياهم ،عندما يرى أنهم يتحركون في مواقع الإيمان ،فيخطئون من حيث يريدون الإصابة ،وينحرفون تحت تأثير نقاط الضعف ،ويرحمهم في حركة وجودهم بعد أن عاشوا رحمته في أصل خلقتهم ،وهو الذي يفتح لكل عباده النافذة الواسعة التي يستطيعون من خلالها أن يُطلّوا على الأفق الواسع من لطفه ورحمته ،في حركة رسله الذين يبعثهم لإبلاغ رسالاته إلى الناس كافة ،ليحتوي الجميع في ساحة رضوانه .