{قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مّنَ الرُّسُلِ} فإن رسالتي هي في الخط الذي تحركت به رسالات الأنبياء السابقين ،كما أن دوري هو دورهم في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ،فليس لكم أن تفرضوا ما توحي به خيالاتكم وأوهامكم ،من دورٍ للنبي وشخصيته وقدرته على تغيير الواقع الكوني وحركة الكون ونظامه ،فليس لذلك أيُّ موقع في ساحة الحقيقة الرسالية ،{وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ} فلستفي ما أملكه من طاقة المعرفةأعلم الغيب ،لأن للغيب أدواته وأسبابه ووسائله التي لا أملكها بصفتي الذاتية كإنسان ،ولا بصفتي الرسالية كنبيّ في ما تفرضه طبيعة الرسالة من دورٍ للرسول ،لأن الرسول يتحرك على ضوء التعليمات الإلهية التي ينزل بها الوحي عليه ،مما يُلقي الله إليه من علمه ،ومما يفتح عليه من غيبه ،فإن طاقاته محدودة بما يمنحه الله منها .
{إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} فالوحي هو الذي يحدّد لي خط الحركة ،وهو الذي يحدد لي الخطوات من البداية إلى النهاية ،{وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} أبلّغكم آيات الله وأثير في عقولكم معانيها ،لتكون نذيراً لكم بين يدي عذاب شديد ،وذاك هو كل شيءٍ في الدور ،وفي الحركة ،وفي الهدف .
وقد نلاحظ في هذا الجوّ القرآني الذي يضع قدرات النبي الذاتية في حدود بشريته ،أن ذلك لا يعني انتفاء علم الأنبياء بالغيب من خلال الوحي الذي يحمل إليهم بعض غيب الله ،كما جاء في حديث القرآن عن عيسى ( عليه السلام ) ممّا كان يتحدث به مع بني إسرائيل:{وَأُنَبّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} ( آل عمران: 49 ) ،وكما جاء في قوله تعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ} ( الجن: 2627 ) ،وهذا ما تؤكده الآية القائلة:{إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} ( الأنعام:50 ) .فالوحي هو مصدر معرفة النبي في قضايا العقيدة والشريعة والحياة والدار الآخرة ،ضمن ما يريد الله له أن يعلمه لحاجة الرسالة إليه في ساحتها العامة والخاصة .