وقوله:( قل ما كنت بدعا من الرسل ) أي:لست بأول رسول طرق العالم ، بل قد جاءت الرسل من قبلي ، فما أنا بالأمر الذي لا نظير له حتى تستنكروني وتستبعدوا بعثتي إليكم ، فإنه قد أرسل الله قبلي جميع الأنبياء إلى الأمم .
قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة:( قل ما كنت بدعا من الرسل ) ما أنا بأول رسول . ولم يحك ابن جرير ولا ابن أبي حاتم غير ذلك .
وقوله:( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في هذه الآية:نزل بعدها ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) [ الفتح:2] . وهكذا قال عكرمة ، والحسن ، وقتادة:إنها منسوخة بقوله:( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) ، قالوا:ولما نزلت هذه الآية قال رجل من المسلمين:هذا قد بين الله ما هو فاعل بك يا رسول الله ، فما هو فاعل بنا ؟ فأنزل الله:( ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات ) [ الفتح:5] .
هكذا قال ، والذي هو ثابت في الصحيح أن المؤمنين قالوا:هنيئا لك يا رسول الله ، فما لنا ؟ فأنزل الله هذه الآية .
وقال الضحاك:( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ):ما أدري بماذا أومر ، وبماذا أنهى بعد هذا ؟
وقال أبو بكر الهذلي ، عن الحسن البصري في قوله:( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) قال:أما في الآخرة فمعاذ الله ، قد علم أنه في الجنة ، ولكن قال:لا أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا ، أخرج كما أخرجت الأنبياء [ من] قبلي ؟ أم أقتل كما قتلت الأنبياء من قبلي ؟ ولا أدري أيخسف بكم أو ترمون بالحجارة ؟
وهذا القول هو الذي عول عليه ابن جرير ، وأنه لا يجوز غيره ، ولا شك أن هذا هو اللائق به ، صلوات الله وسلامه عليه ، فإنه بالنسبة إلى الآخرة جازم أنه يصير إلى الجنة هو ومن اتبعه ، وأما في الدنيا فلم يدر ما كان يئول إليه أمره وأمر مشركيقريش إلى ماذا:أيؤمنون أم يكفرون ، فيعذبون فيستأصلون بكفرهم ؟ فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد:
حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن ابن شهاب عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أم العلاء - وهي امرأة من نسائهم - أخبرته - وكانت بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - قالت:طار لهم في السكنى حين اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين عثمان بن مظعون . فاشتكى عثمان عندنا فمرضناه ، حتى إذا توفي أدرجناه في أثوابه ، فدخل علينا رسول الله فقلت:رحمة الله عليك أبا السائب ، شهادتي عليك ، لقد أكرمك الله . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"وما يدريك أن الله أكرمه ؟ "فقلت:لا أدري بأبي أنت وأمي ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"أما هو فقد جاءه اليقين من ربه ، وإني لأرجو له الخير ، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ! "قالت:فقلت:والله لا أزكي أحدا بعده أبدا . وأحزنني ذلك ، فنمت فرأيت لعثمان عينا تجري ، فجئت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بذلك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"ذاك عمله ".
فقد انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم ، وفي لفظ له:"ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل به ". وهذا أشبه أن يكون هو المحفوظ ، بدليل قولها:"فأحزنني ذلك ". وفي هذا وأمثاله دلالة على أنه لا يقطع لمعين بالجنة إلا الذي نص الشارع على تعيينهم ، كالعشرة ، وابن سلام ، والغميصاء ، وبلال ، وسراقة ، وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر ، والقراء السبعين الذين قتلوا ببئر معونة ، وزيد بن حارثة ، وجعفر ، وابن رواحة ، وما أشبه هؤلاء .
وقوله:( إن أتبع إلا ما يوحى إلي ) أي:إنما أتبع ما ينزله الله علي من الوحي ، ( وما أنا إلا نذير مبين ) أي:بين النذارة ، وأمري ظاهر لكل ذي لب وعقل .