{إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} التي يحركها الانفعال والعصبية ومشاعر الإخلاص للعشيرة ،دون أي وعي فكري يربط المشاعر الإنسانية والعلاقات بالقضايا الفكرية والروحية والمعاني الإنسانية ...
وهذا ما جعلهم يصرّون على عدم التنازل عن امتيازاتهم العصبية ،ولا ينفتحون على منطق العقل والحوار باعتباره سبيل الوصول إلى نتائج إيجابية في ما يختلف فيه الناس ،لكن هذه الحميّة الجاهلية ،لم تخلُق لدى المؤمنين ردّ فعلٍ انفعالي لمواجهة الحمية بحميةٍ مماثلةٍ ،بل حافظوا على هدوئهم النفسي ،وطمأنينتهم الروحية ،{فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} ليحافظوا على التوازن في دراسة الأمور ،ويتحركوا في خطِّ التقوى الذي يضع المسألة في نصابها الصحيح ،من الوقوف مع التوجيه الإلهي الذي يحدد لهم مواقعهم في الساحة من خلال الحلال والحرام ،{وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} وهي كلمة التوحيد التي تربط الناس بالله في العبادة والطاعة في كل قضاياهم العامة والخاصة ،ليقفوا حيث يريد منهم الوقوف ،وليتحركوا حيث يريد منهم التحرك ،{وَكَانُواْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} لأن المؤمنين هم الحاملون لها ،المنفتحون عليها ،العاملون بمضمونها في كل أمورهم ،ما يجعلها كلمةً لاصقةً بكل حياتهم ،مرتبطةً بكل واقعهم الفكري والعملي ،فهم أحقّ بها من غيرهم ،وهم أهل التوحيد في كل مواقع الحياة ،{وَكَانَ اللَّهُ بِكُلّ شَيء عَلِيماً} في ما يحيط به من سرّهم وعلانيتهم في الأمور كلّها .