{وَاعْلَمُواْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ} الذي جعل الله له النبوّة في ما يبلِّغكم به عن الله ،والقيادة في ما أوكل إليه من إدارة أموركم وترتيب أوضاعكم لمعرفته بالعمق الخفي من مصالحكم ،لأنه ينظر إلى آفاق المستقبل ،بينما تستغرقون أنتم في اللحظة الحاضرة السريعة ،وينفتح على عواقب الأمور بينما ترتبطون ببداياتها ...لذا عليكم أن تسلّموا إليه كل أموركم ،ولا تكلّفوه إطاعتكم في ما تحبون ،لأن كثيراً مما تحبونه أو تطلبونه لا يرتبط بمصلحتكم الحقيقية في الحياة .وهو{لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مّنَ الأمْرِ لَعَنِتُّمْ} أي لوقعتم في جهدٍ ومشقة بسبب المشاكل التي تثيرها رغباتكم ،تماماً كما حدث في مسألة إخبار الوليد بارتداد بني المصطلق وامتناعهم عن أداء الصدقة ،ورغبتكم في إعلان الحرب عليهم على أساس ذلك ،فلو أن النبيّ أطاعكم في ذلك ،لوصل الأمر بكم وبالمسلمين إلى ما لا تحمد عقباه ،بينما كان الموقف الذي اتخذه النبي سبباً في منع حدوث المشكلة .
{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الأيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} من خلال الفكر الذي انفتحتم فيه على الله ،وعرفتم فيه مواقع الخير في حركة القيادة في خط الرسالة ،وانطلقتم معه إلى الآفاق الرحبة المفتوحة على مواضع رضى اللَّه ولطفه ورحمته ،وعشتم الطمأنينة الهادئة المستقرة في أعماق قلوبكم ،ورأيتم في ذلك كيف يمكن أن تكون طاعة الرسول هي سبيل الهدى والرشاد والنجاة ،وبذلك كان حب الإيمان واتخاذه موضع الزينة في قلوبكم ،حركةً في الحق وانطلاقة في الخير .
{وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} بما أودعه في وعيكم الروحي والعقلي من معرفة نتائج الأعمال السلبية ،التي تفتح لكم أبواب النيران ،وتغلق عنكم أبواب الجنان ،وبما أثار فيكم من وعي الحقيقة المرتبطة بالله التي يطل عليها الإيمان ،في مواجهة الباطل الذي يطل عليه الكفر والفسوق والعصيان ،الذي يسيء إلى الحياة والإنسان ويرميكم في بحار المشاكل الروحية والمادية التي لا عدّ لها ولا حصر ،وهذا جعلكم ممن انفتحوا على رشد الإيمان ،{أُوْلَئِكَ هُمُ الراشِدُونَ} الذين انطلقوا من الفطرة التي تلتقي بالحقيقة كلها من خلال ينابيع الصفاء والوجدان .