{قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} ،إنَّ الموقف هنا هو موقف الصادقين الَّذين صدقوا الله العقيدة ،كما صدقوه القول والعمل ،فهو الَّذي ينفعهم ويرفع منزلتهم عنه الله .أمَّا الكاذبون المبطلون الَّذين كذبوا رسول الله وتمرّدوا على رسالته ،وكذبوا على أنفسهم وعلى النَّاس ،أمَّا هؤلاء ،فسيجزون جزاء كذبهم وانحرافهم .ولعلَّ المتأمل يستوحي من هذه الآية قيمة الصدق في حسابات التقويم عند الله ،وشموليته لكلّ الأعمال الّتي يقوم بها الإنسان ،بحيث إنَّ كل معاني الإيمان ومواقفه وتطلعاته في آفاق الإنسان المؤمن ،تُمثِّل موقف صدق ،في ما يُمثله الصدق من الارتباط بالحقيقة ،لأنَّه التعبير الواضح عن مطابقة الظاهر للباطن ،وموافقة الكلمة للواقع ،وانسجام العمل مع الخط المستقيم للعقيدة والشريعة .وبهذا يلتقي موقف الصدق بالموقف الحقّ ،ويتمثَّل الصادقون في حركة العقيدة في الحياة ،كأنموذجٍ للنَّاس الَّذين يعيشون المعاناة في الدنيا ،من خلال ما تفرضه مواقف الصدق من مآسي وآلام وخسائر ماديّة ،وينطلقون في مواقف الفوز في الآخرة ،انطلاقاً من محبة الله لهم ،في ما أعلن الله لرسله أنَّه يحب الصادقين .وانطلق الحديث عن الخير الَّذي ينتظر الصادقين عند الله{لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً} ،فهناك النعيم الَّذي يعيش الإنسان معه في متعةٍ روحيّةٍ وجسديّةٍ مع كل آفاق الخلود وامتداداته ،{رَّضِي اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} فقد أطاعوا الله في حياتهم فنالوا رضاه بذلك ،وقد عاشوا الشعور الدائم بالاطمئنان لقضاء الله وقدره ،فهم راضون عند الشدّة ،وراضون عند الرخاء ،وهم مرتاحون للعافية ،كما هم مرتاحون للبلاء ،لأنَّهم يعرفون ،من موقع إيمانهم ،أنَّ الله لا يقضي لهم إلاَّ بما يصلح أمرهم ويرفع درجتهم .وهكذا يعيشون الرضى عن الله في الآخرة في ما يغدقه عليهم من لطفه ورحمته .
{ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الَّذي لا فوز أعظم منه ،وأيّ فوزٍ أعظم من أن يعيش الإنسان الانسجام المطلق مع الله في الدنيا والآخرة ،انسجاماً تعبق أجواؤه بالروحيّة الفيّاضة الّتي تغمر القلب والشعور معاً ،بالمحبة المتبادلة بينهم وبين الله ،هذه المحبة الّتي تُمثِّل السعادة ،كل السعادة ،والفوز ،كل الفوز ،في الدنيا والآخرة .