{وَالَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ} من الجيل الإسلامي الذي أعقب جيل الهجرة وجيل الأنصار ،وهم الذين انفتحوا على مواقع الإسلام القوية فيما بعد الاستقرار أو فيما بعد الفتح .هذا الجيل الذي لم يعش المشاكل الصعبة التي عاشها الجيل الأول في مكة والمدينة ،ولكنه جاء فوجد إسلاماً قوياً هادياً إلى الله ،منفتحاً على الحياة كلها من مواقع الخير ،وتطلع إلى الجيل الذي سبقه ودرس جهاده ،وعاش الأخوة الإسلامية معه ،بالرغم من اختلاف الزمن ،لأن الإسلام هو الخط الواصل بين الأجيال التي تتفاعل مع بعضها البعض من خلالها ،وتفكر بأن حركتها تمثل امتداد الخط في امتداد الزمن ،بحيث يأخذ كل جيل دوره ومكانه في نطاق المرحلة ،لتتكامل المراحل في تحقيق الهدف الكبير ،وهو أن يكون الدين كله لله ،فتكون الحياة خاضعةً بمجموعها لله .
وهكذا يقف هذا الجيل الجديد ليأخذ دوره في الانفتاح على الله ،وفي النظرة إلى ما يمكن أن يقع فيه من الأخطاء ،كما وقع الجيل السابق في أمثالها ،لأن طبيعة العمل قد تفرض بعض الأخطاء ،كما أن طبيعة الظروف الموضوعية قد توقع الحركة في بعضها .ولكن المسألة هي أن الأجيال لا تقع صريعة الأخطاء ،ولا تصرّ عليها ،ولا تتعقّد منها ،بل تنفتح على الله لتبتهل إليه ليغفر لها من جهةٍ ،وليوفق الجميع للتراجع عنها في المستقبل حتى لا يقعوا في مثلها ،من جهةٍ أخرى .وهذا ما عبرت عنه الفقرة التالية في الآية:{يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإَيمَانِ} وامنحنا من خلال ذلك محبتك ورضوانك لتقف كل الأجيال في ظلال رحمتك ،بعيداً عن كل الذنوب والأخطاء ،{وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ} لأننا لا نريد أن نحمل في أعماقنا البغضاء والعداوة للمؤمنين ،مهما كانت الأسباب التي تعقد العلاقات فيما بيننا ،لأن الإيمان يفتح القلوب على محبة الله الذي يلتقي الجميع في رحاب حبه ولطفه ،ما يفرض عليهم أن لا يتوقفوا أمام المشاكل التي تحدث فيما بينهم ليتعقدوا منها ،ولكن لينطلقوا بعيداً عنها ،ليكون العفو الذاتي في دائرة العفو الإلهي هو الذي يبتعد بهم عن التعقيد .
{رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} فاجعل رأفتك بنا رأفةً في قلوبنا لبعضنا البعض ،ورحمتك بنا رحمةً منفتحةً في أرواحنا على الناس والحياة من حولنا ،لنلتقي بك دائماً في مواقع رأفتك ورحمتك لنحصل من خلال ذلك على محبتك ورضوانك ،ونصل في نهاية المطاف إلى جنانك يا أرحم الراحمين .