/م8
المفردات:
والذين جاءوا من بعدهم: الذين هاجروا بعدما قوي الإسلام ،ويشمل جميع المؤيدين لدعوة الإسلام حتى آخر الزمان .
غلاّ: غشا وبغضا وحسدا .
التفسير:
10-{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} .
والصنف الثالث: فقراء المهاجرين إلى المدينة في أزمنة متلاحقة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها .
فهؤلاء الأصناف الثلاثة هم أولى الناس بأن يرعى النبي مصالحهم ويعطيهم من فيئه الخاص ،ومن الخمس الذي جعله الله لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل .
وعلى هذا التصرف نشأ المجتمع الإسلامي في المدينة نشأة مثالية ،جعلت كل فرد فيه يبحث عن مصلحة إخوانه في هذا المجتمع قبل أن يفكر في مصلحة نفسه ،وفي مصلحة الدين الجديد قبل أن يبحث عن مصالح أهله وعياله ،وبهذه الروح العالية أقدموا على الحروب والفتوح في خلافة الراشدين ،فدان لهم العالم ،ونشروا رسالة الإسلام ومحاسنه في دنيا المادة والظلم والغش ،وحرمان الفقراء ،وأثرة الأقوياء ،فطهروا العالم القديم من أبشع جرائمه ،وأنشئوا روحا من الأخوة الإسلامية بين الأجناس والأقوام الذين كانوا على طول الدهر متعادين متخاصمين ،وبهذا تسنّى لهم أن يجمعوا تراث العالم القديم من المعرفة ،وعصارة حضارته المتعاقبة ومزجوا كل ذلك بتراث الإسلام ،فأخرجوا لأنفسهم حضارة جديدة قوامها العلم والدين ،وقد نعم بها العالم عدة قرون ،ولا يزال كثير من أمم الشرق يعيشون في ضوء هذه الحضارة ،حتى يوم الناس هذا .فأين ذلك كله من حال المجتمع المكي في بدء عصر الرسالة المحمدية ،وقد وبخهم الله بقوله:{كلا بل لا تكرمون اليتيم*ولا تحاضون على طعام المسكين*وتأكلون التراث أكلا لما*وتحبون المال حبا جما} .( الفجر: 17-20 ) .