يقول تعالى:{والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ،ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربّنا إنّك رؤوف رحيم} .
بالرغم من أنّ بعض المفسّرين قد حدّد مفهوم هذه الآية بمجموعة من الأشخاص الذين التحقوا بالمسلمين بعد انتصار الإسلام وفتح مكّة ،إلاّ أنّه لا يوجد دليل على هذه المحدوديّة الخاصّة بل تشمل جميع المسلمين إلى يوم القيامة ،وعلى فرض أنّ هذه الآية ناضرة إلى فئة خاصّة ،إلاّ أنّها عامّة من حيث الملاك والمعيار والنتيجة .
وبهذا فإنّ الآيات الثلاثة المتقدّمة تشمل جميع مسلمي العالم ،الذين ينضوون إلى واحدة من هذه الطوائف الثلاثة ،وهم: ( المهاجرون والأنصار والتابعون ) .
جملة ( والذين جاؤوا ...) حسب الظاهر عطف على ( للفقراء المهاجرين )وذلك لبيان هذه الحقيقة ،وهي أنّ أموال «الفيء » لا تنحصر بمحتاجي المهاجرين والأنصار فقط ،بل تشمل سائر المحتاجين من المسلمين على مرّ العصور .
ويحتمل أيضاً أنّ الجملة مستقلّة ( بأن تكون جملة ( والذين جاؤوا ...) مبتدأ ( ويقولون ) خبر ) إلاّ أنّ التّفسير الأوّلبالنظر إلى انسجامه مع الآيات السابقةهو الأنسب .
والملاحظ هنا هو أنّ الآية تذكر ثلاث صفات للتابعين:
الأولى: أنّهم يفكّرون في إصلاح أنفسهم ،وطلب العفو والمغفرة والتوبة من الله تعالى .
والثّانية: النظرة المقترنة بالإكبار والإجلال والاحترام إلى من سبقهم بالإيمان ،ويطلبون لهم أيضاً العفو والمغفرة من الله تعالى .
الثّالثة: أنّهم يسعون بكلّ وسيلة إلى تهذيب أنفسهم وتطهيرها من الحقد والحسد والبغض والعداء ،ويطلبون العون من الله الرؤوف الرحيم لمساعدتهم في هذا الطريق .
وبهذا الترتيب فإنّ خصوصياتهم هي: ( تربية النفس ) و ( الاحترام للسابقين في الإيمان ) و ( الابتعاد عن الحسد والبغضاء ) .
«غِلّ » على وزن ( سِلّ ) ،جاءت في الأصل بمعنى نفوذ الشيء بخفية ،ولذا يقال للماء الجاري بين الأشجار ( غلَل ) ولأنّ الحسد والعداوة والبغضاء تنفذ في قلب الإنسان بصورة خفيّة ،يقال لها: «غِلْ » .وبناءً على هذا فإنّ ( الغِلّ ) ليس فقط بمعنى الحسد ،ولكنّه مفهوم واسع يشمل الكثير من الصفات الخفيّة والقبيحة أخلاقياً .
والتعبير ب ( إخوان ) والاستمداد من الرؤوف الرحيم في نهاية الآية يحكي عن روح المحبّة والصفاء والأخوة التي يجب أن تسود المجتمع الإسلامي أجمع .فكلّ شخص يتمنّى صفة حسنة لا يتمنّاها لنفسه فحسب ،بل للآخرين أيضاً ،ولتشمل المجتمع بصورة عامّة ،وبذلك تطهّر القلوب من كلّ أنواع العداء والبغضاء والحسد والحرص ،وهذا هو المجتمع الإسلامي النموذجي .
/خ10