/م11
التّفسير:
دور المنافقين في فتن اليهود:
بعد بيان ما جرى ليهود بني النضير في الآيات السابقة ،وبيان حالة الأصناف الثلاثة من المؤمنين ( المهاجرين والأنصار والتابعين ) وخصوصيات كلّ منهم في الآيات مورد البحث ،يتعرّض القرآن الكريم الآن لشرح حالة المنافقين ودورهم في هذا الحادث ،وبيان حالهم بالقياس مع الآخرين ،وهذا هو منهج القرآن الكريم ،حيث يعرّف كلّ طائفة بمقارنتها مع الأخرى .
وفي البداية يتحدّث مع الرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حيث يقول سبحانه:{ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجنّ معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وان قوتلتم لننصرنّكم} .
وهكذا فانّ هؤلاء المنافقين وعدوا طائفة اليهود بأمور ثلاثة ،وجميعها كانت كاذبة:
الأوّل: إذا أخرجتم من هذه الأرض فإنّنا سوف لن نبقى بعدكم نتطلّع إلى خواء أماكنكم ودياركم .
والأمر الآخر: إذا صدر أمر ضدّكم من أي شخص ،وفي أيّ مقام ،وفي أي وقت ،فإنّ موقفنا الرفض له وعدم الاستجابة .
والأمر الثالث: إنّه إذا وصل الأمر للقتال فإنّنا سوف نقف إلى جانبكم ولا نتردّد في نصرتكم أبداً .
نعم ،هذه هي الوعود التي أعطاها المنافقون لليهود قبل هذا الحادث ،إلاّ أنّ الحوادث اللاحقة أوضحت كذب إدّعاءاتهم ووعودهم .
ولهذا السبب يقول القرآن الكريم بصراحة ( والله يشهد أنّهم لكاذبون ) .
كم هو تعبير رائع ومثير ومقترن بتأكيدات عديدة ،من شهادة الله عزّ وجلّ ،وكون الجملة اسمية ،وكذلك الاستفادة من ( إنّ ) واللام للتأكيد ،وكلّها تفيد أنّ الكذب والنفاق ممتزجان بهم لحدّ لا يمكن فصلهما ،لقد كان المنافقون كاذبين دائماً ،والكاذبون منافقين غالباً .
والتعبير ب ( إخوانهم ) يوضّح لنا طبيعة العلاقة الحميمة جدّاً بين «المنافقين » و «الكفّار » ،كما ركّزت الآيات السابقة على علاقة الأخوة بين المؤمنين ،مع ملاحظة الاختلاف بين الفصيلتين ،وهو أنّ المؤمنين صادقون في إخوتهم لذلك فهم لا يتبرّمون بكلّ ما يؤثرون به على أنفسهم ،على عكس المنافقين حيث ليس لهم وفاء أو مواساة بعضهم لبعض ،وتتبيّن حقيقتهم بصورة أوضح في اللحظات الحرجة حيث يتخلّون عن أقرب الناس لهم ،بل حتّى عن إخوانهم ،وهذا هو محور الاختلاف بين نوعين من الأخوة ،أخوة المؤمنين وأخوة المنافقين .
وجملة:{ولا نطيع فيكم أحداً أبداً} تشير إلى موقف المنافقين الذي أعلنوه لليهود بأنّهم سوف لن يراعوا التوصيّات والإنذارات التي أطلقها رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم )فيهم .