{اتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} فلا تسقط ولا تتنازل ،ولا تأخذ فكراً غير الفكر الذي يوحي به الله ،ولا تسلك طريقاً غير طريقه ،ولا تلتزم بشريعةٍ أخرى غير شريعته ،{لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} فهو الذي يستحق العبودية دون سواه ،وهو الذي يملك التشريع دون غيره ،أمَّا الآخرون كلُّ الآخرين ،الذين يشرّعون الشرائع ويقنّنون القوانين ،ويرون لهم الحق كل الحق في عبادة الناس لهم ،فهم مخلوقون له ،وهو الخالق لهم ،فكيف يتبع الإنسان وحي المخلوقين ويترك وحي الخالق ؟{وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} ولا تلتفت إليهم ،ولا تفكر كثيراً بهم ،ولا تتعقد منهم ..إنهم مجرد مرحلةٍ صعبة من مراحل الدعوة ،ثم يتراجعون ويتساقطون واحداً بعد الآخر ..وتنطلق المسيرة في موعد الشروق وتترك وراءها كل خطوات الظلام وتهاويله ،فسر في طريقك ،وواصل جهادك فإن الله بالغ أمره .
وهكذا تتنوع إيحاءات الإعراض عن المشركين ،لتشمل كل أساليبهم في ما يتوعدون ويعدون ،ولتحتوي كل المعوّقات والعقبات التي يضعونها في طريق الدعوة ،فإن امتداد الدعوة في روح الرسول ،وفي حركة الحياة ،كفيل بأن يهزم ذلك كله ،ولا يقتصر هذا الأمر على الرسول وحده ،بل يشمل كل المسلمين من الدعاة والعاملين في سبيل الله الذين يواجهون تحدِّيات الشر والكفر والضلال والاستكبار ،التي تحاول أن تضعف إرادتهم ،وتهزم مسيرتهم ،وتبعثر خطواتهم ،إن الله يقول لهم: واصلوا طريقكم ،لا يشغلنكم المشركون وأتباعهم ،بكل ما يثيرونه حولكم من تخويفٍ ووعيد ،ومن أساليب التجهيل والتمييع ووسائل الاضطهاد ،لأن الطريق إلى الله مفتوحٌ أمامكم ،بكل سعته وامتداده .
وهكذا أراد الله لرسوله ،ولجميع الدعاة من بعده ،أن ينتصروا على كل وسائل الهزيمة النفسية ،وكل أساليب التراجع الفكري والروحي ..فأعرض عن المشركين ،واتبع ما أوحى إليه ربّه ،وتابع المسيرة ،وواصل الدعوة إلى الله وجاهد في سبيله ..حتى واجه المشركين بالحرب ..وهزمهم شرّ هزيمة ..وفتح قلوبهم على الإيمان بالصبر والجهد والحكمة ..وبدأ الناس ،من خلال ذلك ،يدخلون في دين الله أفواجاً ..
وهكذا ينبغي لنا أن نكون ،فنقف أمام كل التيارات المعادية ،الإلحادية والإشراكية والنفاقية ،ونمسك بكتاب الله بين أيدينا ،فنتبعه في كل شؤون حياتنا ،وندعو إلى مفاهيمه في كل مجالاتنا ..حتى إذا واجهنا في الطريق بعض الصعوبات والتحديات ،وبعض الذين يريدون الانحراف بنا عن طريق الله سبحانه ،في ما يحملونه من أفكار ،وفي ما يثيرونه من شبهات ،وفي ما يقدّمونه من مغرياتٍ ،لتخطينا كل ذلك ،لأن الحياة كلها من حولنا أصبحت إسلاماً يتحرك ويثير وينير ويتحدى ،ويواجه الإنسان بالحق والعدل والصراط المستقيم ..ويلتقي بالحياة ،بين يدي الله ،من أوسع طريق ..