/م104
{ اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين ( 106 )} بعد أن بين تعالى لرسوله أن الناس فريقان فريق قد فسدت فطرتهم ولم يبق فيهم استعداد للاهتداء بتلك البصائر المنزلة ، ولا للعلم بما فيها من تصريف الآيات البينة ، فحظهم منها مكابرتها ، وجحود تنزيلها ، وفريق يعلمون ، وبالبيان يهتدون – أمره أن يتبع ما أوحي إليه من ربه ، بالبيان له والعمل به ، مشيرا بإضافة اسم الرب إلى ضميره ، إلى تعظيم شأنه وتكبيره ، وإلى كون الوحي إليه صلى الله عليه وسلم تربية له في نفسه ، وناصبا إياه إماما لجميع أبناء جنسه ، يتربى به من وفق منهم لاتباعه ، وذلك أن الاقتداء لا يتم إلا بمن يعمل بما يعلم ، ويأتمر بما يأمر ، وقرن هذا الأمر بكلمة توحيد الألوهية ، لبيان وجوب ملازمته لتوحيد الربوبية ، فكما أن الخالق المربي للأشباح بما أنزل من الرزق ، وللأرواح بما أنزل من الوحي واحد لا شريك له في الخلق ولا في الهداية ، فالواجب أن يكون الإله المعبود واحدا لا شريك له في الجزاء على الأعمال بشفاعة ولا ولاية ، فالأمر هنا بالاتباع ليس الغرض منه مجرد المداومة عليه ، كما هو الشأن في أكثر من يأمر بالعمل من هو متلبس به ، وإنما الغرض منه بيان كونه من متممات التبليغ ، ثم عطف هذا الأمر المقرون بكلمة التوحيد ، أمره صلى الله عليه وسلم بالاعتراض عن المشركين ، بأن لا يبالي بإصرارهم على الشرك ، ولا بمثل قولهم له دارست أو درست ، لأن الحق يعلو متى ظهر بالقول والعمل مع الإخلاص ، لا يضره الباطل بخرافات الأعمال ولا بزخارف الأقوال ، ثم هون عليه أمره الإعراض عنهم ، بقوله:{ ولو شاء الله ما أشركوا} .