السيطرة المطلقة لله
{وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَواتِ وَفِي الأرْضِ} لم تنطلق هذه الآية من مواجهة الفكرة الشركيّة التي تتحدث عنها الأساطير اليونانية والقصص الإغريقية ،من أنّ لكل ظاهرة كونيّةٍ أو حياتية إلهاً خاصاً ،فللحرب إله ،وللسلم إله ،وللشجر إله ،وللماء إله ،وللحبّ إله ،وللسماء إله ،وللأرض إله ..بل انطلقتوالله العالملتقرير المعنى الذي يوحي بالسيطرة المطلقة لله على كل شيء ،من خلال المعنى الذي تتضمّنه الألوهية من سلطةٍ ممتدّة إلى كل شيء ،في السماوات والأرض ،كما في قوله تعالى:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ} [ البقرة: 255] .وبهذا تتحرك الفقرة الثانية:{يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} في هذا الاتجاه ،لتؤكد الإحاطة بالإنسان في سرّه وعلانيته وجميع أعماله ،فيشعر الإنسان بالسيطرة الإلهية عليه من موقع سعة علمه لكل بواطنه وظواهره ومكتسباته ..
أمَّا إيحاءات الآية ،فإن الفقرة الأولى توحي بالشعور بالعظمة المطلقة التي يحس الإنسان معها بالانسحاق أمام الله ،فيدفعه ذلك إلى الخضوع له في كل شيء .أمَّا الفقرة الثانية ،فإنها توحي بالإحساس بالمراقبة الكلية المحيطة به من جميع الجوانب من قِبَل الله الذي يملك أمر حسابه وعقابه وثوابه ،فيدفعه ذلك إلى الانضباط في كل خطواته العمليّة في ما يأمره الله به أو ينهاه عنه ..