وهذه هي الحقيقة الإيمانية التكوينية التي تجسد النظام العام للتدبير الإلهي لحركة الكون والحياة والإنسان ،والتي تقرر بأن الحوادث المتنوعة في حياة الإنسان خاضعةٌ للقوانين الإلهية التي تحرك الوقائع ،في ما يمثل السنن الكونية والاجتماعية ،فلا مجال لأية حادثة إلا من خلال التقدير الإلهي لها ،سواء كان ذلك بسبب مباشرٍ أو غير مباشر .
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ} مما يحدث للإنسان في جسده ،أو في عقله ،أو في ما يتعلّق به من شؤون حياته في علاقته بالآخرين ،وبالأمور التي تختص به من شؤون البلاء العامة أو الخاصة ،{إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} في ما تمثله الأسباب الواقعية في نطاق سنن الله ،وذلك في طبيعة الوجود التكويني ،ما يوحي بأن الكون كله خاضعٌ للسيطرة الإلهية في الإدارة والتدبير .وليس معنى ذلك أن هذه المصائب التي تحدث للإنسان موضع رضا الله من الناحية التشريعية ،لأن المسألة ليست مسألة الفعل المباشر من الله ،بل هي مسألة السبب الذي جعل الله إدارته بيد العباد ،وجعل العلاقة بينه وبين النتائج علاقة قانونية متصلةً بالسنن العامة ،ولذلك نهى الله الإنسان عن إيجاد بعض الأسباب ،ودعا البعض ،الذين تمثل الأسباب بالنسبة إليهم لوناً من الظلم والعدوان على النفس والمال والعرض ،إلى مواجهتها والثورة عليها بأسبابهم الخاصة ،بالمستوى الذي يعمل على منعها والتمرد عليها .
{وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} لأن الإيمان بالله يفتح القلب على آفاق الله في عظمته ورحمته وألطافه المتعلقة بعباده ،ما يؤدي إلى أن يتحرك القلب في طريق الهداية بشكلٍ طبيعي ،لأن الأسس التي ترتكز عليها الهداية كامنة في داخل العناصر الإيمانية .وبذلك ،تكون الهداية من الله ناشئةً من أسبابها الطبيعية ،بالإضافة إلى بعض الألطاف الإلهية التي تزيد الهداية نمواً أو إشراقاً وعمقاً في العقل والوجدان ،{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} في ما يحيط به من علاقات الأشياء ببعضها البعض ،وارتباط المسببات بأسبابها ،وحركة الإنسان في داخل عقله وروحه .