الإيمان بالقضاء هداية
{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( 11 ) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ( 12 ) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( 13 )}
/م11
المفردات:
ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله: ما أصابت أحدا من الناس من مصيبة إلاّ بقضاء الله تعالى وتقديره ذلك عليه .
ومن يؤمن بالله يهد قلبه: ومن يصدّق بالله فيعلم أنه لا أحد تصيبه مصيبة إلا بإذنه تعالى ،يهد قلبه للتسليم ،والرضاء بقضائه ،فيسترجع ويصبر .
التفسير:
11-{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .
من شأن المؤمن أن يؤمن بالقضاء والقدر ،خيره وشره ،حلوه ومرّه ،فإذا نزلت بساحته المصائب صبر وتصبّر وتماسك ،وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون .
وقال أيضا: اللهم اؤجرني في مصيبتي وعوضني خيرا منها .
أي: ارزقني ثواب ذلك المصاب ،وعوضني خيرا منه بفضلك .
أخرج البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"عجبا للمؤمن ،لا يقضي الله له قضاء إلاّ كان خيرا له ،إن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له ،وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ،وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن "xiii
وقال ابن عباس:{بِإِذْنِ اللَّهِ} .يعني عن قدره ومشيئته .1ه .
وهذا الرضا بالقضاء والقدر يجعل المؤمن راضيا محتسبا ،ثابت الجنان ،هادئ النفس .
{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ...}
إن الإيمان بالله تعالى ،والوثوق بأنه الإله الواحد الأحد ،الفرد الصمد ،الفعّال لما يريد ،يجعل القلب في هداية وصبر ،واحتمال وتماسك .
وقرأ السلمي وقتادة: يُهدَ قلبه .بضم الياء وفتح الدال ،ورفع الباء على البناء للمجهول .
وقرأ عكرمة: يهدأ قلبه .بهمزة ساكنة ،ورفع الباء ،أي: يسكن ويطمئن .
وقد وردت عدة قراءات في تفسير القرطبي ،وتلتقي جميعها على أنّ هداية القلب أو هدوء القلب منحة إلهية ،أو هبة ربانية وعطاء من الله للمؤمن الذي اطمأنّ إلى قضاء الله وقدره ،فرضي واحتسب وصبر ،وتيقن أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه ،وما أخطأه لم يكن ليصيبه .
قال علقمة:{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ...}
هو الرجل تصيبه المصيبة ،فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلّم .
{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .
أي: هو سبحانه مطلع على خفايا النفوس ،عليم بمن صبر وبمن جزع ،وهو سبحانه يعلم السرّ وأخفى ،فليتق المؤمن ربه ،وليصبر على البأساء ،وليشكر على النعماء ،وليكن راضيا بالقضاء والقدر ،خيره وشره ،حلوه ومرّه .
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ( 22 ) لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} .( الحديد: 22-23 ) .