{مُتَبَّرٌ}: من التّبار ،وهو الهلاك والدمار .
{إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ} فإن واقعهم الذي يتخبّطون فيه يسير بهم إلى الهلاك والدمار ،لأنهم يفقدون القاعدة الفكرية والروحية التي تركّز لهم منهج الحياة الشامل الواسع ،الذي يحرّك طاقاتهم في الآفاق الرحبة للكون ،فيشعرون معه بالحكمة التي تحكم الحياة وتدبرّها في ظل نظام دقيق تلتقي فيه حركة الكون بحركة الإنسان .وإذا تحرك الإنسان دون قاعدةٍ ثابتةٍ ،ودون منهجٍ متكامل ،يبقى في مهب الرياح ،فلا يسكن إلى ملجأ ولا يستريح إلى أرض ،وربما ترميه الرياح الهوجاء في هاوية سحيقة ،حيث الهلاك والدمار في الدنيا والآخرة ...{وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} لأنهم لا يرتكزون في عملهم هذا على حجّةٍ .وتلك هي قصّة الحق والباطل ،فللحقّ سلطانه من خلال قوّة العناصر الفكرية والعملية التي تدعم مضمونه ،وللباطل أهواؤه وشهواته التي تفقده الثبات ،وتجعله في قبضة الاهتزاز الدائم ،تبعاً لاختلاف الأهواء والشهوات التي لا تشتعل إلا لتتبخر في الهواء ،كما الزبد الذي يذهب جفاءً ولا يبقى منه شيء ينفع الناس .وهذا ما أراد موسى أن يعمّقه في ذواتهم من أسلوب الإنكار على هذه الرؤية المظلمة للأشياء ،ليدرسوا واقعهم المستقبليّ في نتائجه السلبية ،على هدى واقع هؤلاء في النتائج السلبية الحاضرة .