{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ} للناس ليفهموا كيف يواجهون المسؤولية من موقع الوعي المنفتح على حركة الإيمان في الحياة ،{وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} إلى الله ،فيستقيموا في طريق الحق عندما يستبين لهم الجانب المشرق من الأفق الواسع .
هل ثمة عالم آخر اسمه عالم الذر ؟
هذا بعض ما نستوحيه من هذه الآيات ،ولكن بعض المفسرين فهموا منها معنىً آخر ؛فقد قالوا إن هناك عالماً آخر تشير إليه ،وهو «عالم الذر » الذي تحدثت عنه بعض الروايات ،واعتبرت الآية الأولى دليلاً عليه .فقد جاء في هذه الروايات أن الله عندما خلق آدم ،أخرج من ظهره ذريته كمثل الذر حتى ملأوا الفضاء من حوله ،فأخذ الله عليهم العهد بالإيمان به ،والسير على هديه ،وأشهدهم على أنفسهم بأنه الله الذي لا إله إلا هو ،فشهدوا بذلك وأعطوه العهد على أنفسهم به ،ليكون ذلك حجةً من الله عليهم عندما ينحرفون عن خط الإيمان والطاعة ،فلا يستطيعون بعد ذلك الاحتجاج بالغفلة عن الحق ،وبسيطرة عقيدة الاباء عليهم .
وهكذا اعتبرت الآية دليلاً على هذا الموضوع ،ولكنّ كثيراً من العلماء أنكروا ذلك ،لقصور الأدلّة التي أقامها المثبتون عليه ،ولأن الحجة لا تقوم على الإنسان بما كان قد اعترف به في عالم الذر ،لغفلته عن أصل الموضوع وعدم تذكُّره له من قريبٍ أو بعيدٍ ،مهما حاولت الآيات والأحاديث تذكيرهم به ،فلا يبقى هناك فرق بين الغفلة الأصلية التي لم يسبق للإنسان فيها المعرفة ،أو الغفلة الطارئة التي جاءت بعد المعرفة في عالم آخر لا ربط له بهذا العالم أصلاً .ثم إن الآية لا تنهض دليلاً على ذلك ،فإن المذكور فيها أنه أخرج من ظهور بني آدم وذرياتهم ،بينما تقول الروايات أنه أخرج من ظهر آدم ذريته .وقد جرت مناقشات كثيرة في هذا الموضوع ،من حيث الدفاع عن فكرة «عالم الذرّ » وعن انطباق الآية عليه ...وقد ذكرها صاحب تفسير الميزان ،فليرجع إليه من أراد ،فإننا لا نجد كبير فائدةٍ في الإفاضة في هذا الموضوع .