{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} ربما كان المراد بذلك نظافة الثوب وطهارته من النجاسات والأقذار ،فالله يريد للداعية ،رسولاً كان أو غيره ،أن يظهر بالمظهر النظيف الخالي من الأقذار ،لأن الظهور بمظهر القذارة قد يبعد الناس عن احترامه ،وعن الراحة في النظر إليه والانسجام معه في المجتمع ،وقد يكون تفسير التطهير بتقصير الثياب ،باعتبار ما يستلزمه ذلك من النظافة بارتفاعها عن قذارات الأرض .
وربما كان المقصود به المعنى الكنائي ،بأن ترمز طهارة الثياب إلى طهارة الذات والأخلاق ،بحيث لا يلحقه شيءٌ من القذارة الروحية والفكرية والعملية ،وهذا ما ورد التعبير عنه بطهارة الذيل ونقاوة الثياب ونحو ذلك ...ولعلّ هذا هو الأقرب إلى جوّ الساحة الرسالية التي تفرض في الداعية أن يملك النقاء الأخلاقي الذي يجعله في مستوى التلقّي للوحي الطاهر ،وفي مستوى القدوة للآخرين ،لأنه إذا لم يكن نقياً في ذاته ،طاهراً في أخلاقه ،فإنه لا يستطيع أن يحصل على الثقة برسالته ،كما أنه لا يملك أن يمنح الناس شيئاً من حركة الطهارة في مضمون الرسالة ،لأن الناس يعملون دائماً على المقارنة بين الرسالة والرسول ،كما أن فاقد الشيء لا يعطيه .
وهناك نقطة أخرى في هذا المجال ،وهي أن الداعية يتعرض للكثير من ألوان الإِغراء التي تهدّد سلامته الروحية ،ومناعته الأخلاقية ،فإذا لم يكن في المستوى المتوازن من الطهارة الرسالية ،كان معرّضاً للسقوط أمام تلك الإغراءات ،ممّا يمنعه من الاستمرار في أداء رسالته .