قوله تعالى:{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} .
قد اختلف المفسرون في المراد من كل من لفظتي الثياب ،وفطهر هل هما دلا على الحقيقة ،ويكون المراد طهارة الثوب من النجاسات ؟أم هما على الكناية ؟
والمراد بالثوب البدن ،والطهارة عن المعنويات من معاصي وآثام ونحوها أم على الحقيقة والكناية ،فقد ذكر ابن جرير وغيره نحواً من خمسة أقوال:
الأول عن ابن عباس وعكرمة والضحاك أن معناه: لا تلبس ثيابك على معصية ولا على غدرة ،واستشهد بقول غيلان: الأول عن ابن عباس وعكرمة والضحاك أن معناه: لا تلبس ثيابك على معصية ولا على غدرة ،واستشهد بقول غيلان:
وإني بحمد الله لا ثوب فاجر *** لبست ولا من عذرة أتقنع
وقول الآخر:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه***فكل رداء يرتديه جميل
فاستعمل اللفظين في الكناية ،وقد يستدل له بقوله:{وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} [ الشرح: 2] .
وورد عن ابن عباس: لا تلبس ثيابك من كسب غير طيب ،فاستعمل الثياب في الحقيقة والتطهير في الكناية .
وعن مجاهد: أصلح عملك ،وعملك فاصلح فاستعملهما معاً في الكناية عن العمل الصالح .
وعن محمد بن سيرين وابن زيد على حقيقتهما ،فطهر ثيابك من النجاسة .
ثم قال: والذي قاله ابن سيرين وابن زيد أظهر في ذلك .
وقول ابن عباس وعكرمة قول عليه أكثر السلف .والله أعلم بمراده .
وقال غيره: ثيابك هي نساؤك ،كما في قوله{هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ} [ البقرة: 187] فأمرهن بالتطهر وتخيرهن طاهرات خيرات .
هذه أقوال المفسرين واختيار ابن جرير منها ،والواقع في السياق ما يشهد لاختيار ابن جرير ،وهو حمل اللفظين على حقيقتهما .
وترجيح قول ابن سيرين أن المراد طهارة الثوب من النجاسة ،والقرينة في الآية أنها اشتملت على أمرين:
الأول: طهارة الثوب ،والثاني هجر الرجز .
ومن معاني الرجز المعاصي ،فيكون حمل طهارة الثوب على حقيقته ،وهو الرجز على حقيقته لمعنى جديد أولى .
وهذه الآية بقسميها جاء نظيرها بقسميها أصرح من ذلك في قوله تعالى{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ} [ الأنفال: 11] والله تعالى أعلم .
وقد جعل الشافعي هذه الآية دليلاً على الطهارة للصلاة .