{ وثيابك فطهر} أي بالماء من الأنجاس قال ابن زيد كان المشركون لا يتطهرون فأمره أن يتطهر ويطهر ثيابه وقيل هو أمر بتطهير القلب مما يستقذر من الآثام .
قال قتادة"العرب تسمي الرجل إذا نكث ولم يف بعهد أنه دنس الثياب وإذا أوفى وأصلح قالوا مطهر الثياب ".
وعن ابن عباس أي لا تلبسها على معصية ،ولا على غدرة ثم أنشد لغيلان بن سلمة{[7263]} الثقفي:
وإني بحمد الله لا ثوب فاجر *** لبست ولا من غدرة أتقنع
وفي الوجه الأول بقاء لفظي الثياب والتطهير على حقيقتهما وفي الثاني تجوز بهما وبقي وجه ثالث وهو حمل الثياب على حقيقتها ،والتطهير على مجازه وهو التبصير .لأن العرب كانوا يطيلون ثيابهم ويجرون أذيالهم خيلاء وكبرا فأمر بمخالفتهم ورابع وهو عكس هذا وذلك بحمل الثياب على الجسد أو النفس كناية كما قال عنترة{[7264]}:
فشككت بالرمح الأصم ثيابه
أي نفسه ولذا قال:
ليس الكريم على القنا بمحرم
واستصوب ابن الأثير في ( المثل السائر ) الوجه الأول قال في الفصل الثالث من فصول مقدمته اعلم أن الأصل في المعنى أن يحمل على ظاهر لفظه ومن يذهب إلى التأويل يفتقر إلى دليل كقوله تعالى{ وثيابك فطهر} فالظاهر من لفظ الثياب هو ما يلبس ومن تأول ذهب إلى أن المراد هو القلب لا الملبوس وهذا لابد له من دليل لأنه عدول عن ظاهر اللفظ .
ثم قال المعنى المحمول على ظاهره لا يقع في تفسيره خلاف ،والمعنى المعدول عن ظاهره إلى التأويل يقع فيه الخلاف إذ باب التأويل غير محصور والعلماء متفاوتون في هذا فإنه قد يأخذ بعضهم وجها ضعيفا من التأويل فيكسوه بعبارته قوة تميزه عن غيره من الوجوه القوية فإن السيف بضاربه{[7265]}:
إن السيوف مع الذين قلوبهم *** كقلوبهن إذا التقى الجمعان
تلقي الحسام على جراءة حده *** مثل الجبان بكف كل جبان
انتهى .
ويكفي دليلا ما للعرب من الشواهد والأمثال والاستعمال لا ينحصر في الحقيقة نعم ،المتبادر أولى وأجدر وهو عنوان الحقيقة .