{يَعْمُرُواْ}: العمارة أن يجدد ما استرمّ من الأبنية ،ومنه اعتمر إذا زار ،لأنه يجدّد بالزيارة ما استرمّ من الحال .
{مَسَاجِدَ}: الأصل في المسجد هو موضع السجود في العرف ،ويعبّر به عن البيت المهيأ لصلاة الجماعة فيه .
منع المشركين من إعمار المساجد
كان المشركون يترددون على المسجد الحرام في مكة ،ويحجون إلى البيت الحرام ويطوفون به ،في ما توارثُوه من عبادة الحج من عهد إبراهيم عليه السلام .ولكنهم كانوا يمارسون عبادة الأصنام التي نصبوها على جدران الكعبة ،وبذلك كان الجوّ هناك جوّ شركٍ في العبادة ،ما يتنافى مع الأجواء الروحية التوحيدية التي يريد الله لزوّار مسجده أن يعيشوها في إخلاص العبادة له ،ورفض كل عبادةٍ لغيره ،سواءٌ أكانت وسيلةً للتقرب إليه ،مما كان المشركون يعتقدونه في تلك الأصنام من القداسة الذاتية حيث تقرّبهم إلى الله زلفى ،أم كانت مستقلّة في العبادة في ما يعتقده بعضهم من معاني الألوهية في داخلها ،فالمسجد هو بيت الله ،فلا مجال فيه إلا لعبادته .
وهذا هو ما أراد الله لنبيه أن يعلنه ،في إعلان البراءة ،من منع المشركين من الحج بعد ذلك العام ،في ما نادى به الإمام علي( ع ) من قوله: «لا يحج بعد العام مشرك » ،وهذا هو ما نفهمه من هاتين الآيتين .
{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله} والمراد من العمارةهنا على الظاهرهو عمارتها بالتواجد فيها وممارسة شؤون العبادة التي يبتعدون فيها عن روح التوحيد ،وليس المراد عمارتها بالعمل على تشييدها ،لأن ذلك لا يتناسب مع أجواء الآيات ،{شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ} بالله الواحد ،لأن ذلك هو ما تمثّله عبادة الأصنام التي تعتبر شهادةً فعليّةً بالكفر الذي يبعد عن روحية المساجد التي هي إخلاص العبادة للهوحده{أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} فلا قيمة لها عند الله ،لأنه لا يغفر أن يشرك به ،لأن الشرك يمثل تمرداً عليه وإساءة لقدس جلاله{وَفِى النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} فذلك هو الجزاء العادل لهؤلاء الذين يعيشون في نعم الله الذي خلقهم وأوجدهم من عدم ،ثم يواجهونه بالتمرّد عليه والانصراف عنه إلى غيره ،في ما يسيء إلى الإنسان والحياة ،مما يُخرج الشرك عن أن يكون عملاً فردياً خاصاً ليتحول إلى عمل يتصل بسلامة المجتمع في تصوراته المنحرفة وسلوكه الأعوج .