)فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) ( البقرة:200 )
التفسير:
قوله تعالى:{فإذا قضيتم مناسككم} أي أنهيتم مناسككم ؛وذلك بالتحلل من النسك .
قوله تعالى:{فاذكروا الله} أمر تعالى بذكره بعد فراغ النسك ؛لأن الإنسان إذا فرغ من العبادة قد يغفل عن ذكر الله .
وقوله تعالى:{مناسككم} جمع منسك ؛وهو فيما يظهر اسم مصدر - يعني مصدراً ميمياً - ؛أي قضيتم نسككم ؛و «النسك » بمعنى العبادة ؛وهو كل ما يتعبد به الإنسان لله ؛ولكن كثر استعماله في الحج ؛وفي الذبح ؛ومنه قوله تعالى:{قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين} [ الأنعام: 162] .
قوله تعالى:{كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً}؛«ذكر » هنا مصدر مضاف لفاعله ؛و «آباء » مفعول به ؛أي كما تذكرون آباءكم ،أو أشد ذكراً ؛و{أشد} يشمل الشدة في الهيئة ،وحضور القلب ،والإخلاص ؛والشدةَ في الكثرة أيضاً ؛فيذكر الله ذكراً كثيراً ،ويذكره ذكراً قوياً مع حضور القلب .
وقوله تعالى:{كذكركم آباءكم}؛لأنهم كانوا في الجاهلية يذكرون أمجاد آبائهم إذا انتهوا من المناسك ؛وكل يفخر بنسبه ،وحسبه ؛فأمر الله تعالى أن نذكره سبحانه وتعالى كذكرهم آباءهم ،أو أشد ذكراً .
وقوله تعالى:{أو أشد ذكراً}: قال كثير من النحويين: إن{أو} بمعنى: بل ؛أي بل أشد ؛وهو هنا متوجِّه ؛ويشبهها من بعض الوجوه قوله تعالى:{وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} [ الصافات: 147]؛وقد ذكر ابن القيم في قوله تعالى:{أو يزيدون} أن{أو} هنا ليست بمعنى «بل » ؛ولكنها لتحقيق ما سبق - يعني: إن لم يزيدوا فلن ينقصوا - ؛وبناءً على هذا نقول مثله في هذه الآية: أي كذكركم آباءكم - إن لم يزد فلا ينقص - ؛إلا أنّه هنا إذا جعلناها بمعنى «بل » تكون أبلغ ؛لأن ذكر الله يجب أن يكون أشد من ذكر الآباء .
/م200
/خ201