يأمر تعالى بذكره والإكثار منه بعد قضاء المناسك وفراغها .
وقوله:( كذكركم آباءكم ) اختلفوا في معناه ، فقال ابن جريج ، عن عطاء:هو كقول الصبي:"أبه أمه "، يعني:كما يلهج الصبي بذكر أبيه وأمه ، فكذلك أنتم ، فالهجوا بذكر الله بعد قضاء النسك . وكذا قال الضحاك والربيع بن أنس . وروى ابن جرير من طريق العوفي ، عن ابن عباس نحوه .
وقال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس [ قال]:كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم فيقول الرجل منهم:كان أبي يطعم ويحمل الحمالات [ ويحمل الديات] . ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم . فأنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم:( فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا )
قال ابن أبي حاتم:وروي عن أنس بن مالك ، وأبي وائل ، وعطاء بن أبي رباح في أحد قوليه ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة في إحدى رواياته ، ومجاهد ، والسدي ، وعطاء الخراساني ، والربيع بن أنس ، والحسن ، وقتادة ، ومحمد بن كعب ، ومقاتل بن حيان ، نحو ذلك . وهكذا حكاه ابن جرير أيضا عن جماعة ، والله أعلم .
والمقصود منه الحث على كثرة الذكر لله عز وجل ; ولهذا كان انتصاب قوله:( أو أشد ذكرا ) على التمييز ، تقديره كذكركم آباءكم أو أشد منه ذكرا . و "أو "هاهنا لتحقيق المماثلة في الخبر ، كقوله:( فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) [ البقرة:74] ، وقوله:( يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية ) [ النساء:77] ، ) وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ) [ الصافات:147] ، ( فكان قاب قوسين أو أدنى ) [ النجم:9] . فليست هاهنا للشك قطعا ، وإنما هي لتحقيق الخبر عنه بأنه كذلك أو أزيد منه . ثم إنه تعالى أرشد إلى دعائه بعد كثرة ذكره ، فإنه مظنة الإجابة ، وذم من لا يسأله إلا في أمر دنياه ، وهو معرض عن أخراه ، فقال:( فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ) أي:من نصيب ولا حظ . وتضمن هذا الذم التنفير عن التشبه بمن هو كذلك . قال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس:كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف ، فيقولون:اللهم اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن . لا يذكرون من أمر الآخرة شيئا ، فأنزل الله فيهم:( فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ) وكان يجيء بعدهم آخرون [ من المؤمنين] فيقولون:( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) فأنزل الله:( أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب ) ولهذا مدح من يسأله للدنيا والأخرى