/م200
التّفسير
الحجّ رمز وحدة المسلمين:
هذه الآيات تواصل الأبحاث المتعلّقة بالحجّ في الآيات السابقة ،فالبرغم من أنّ أعراب الجاهلية ورثوا مناسك الحجّ بوسائط عديدة من إبراهيم الخليل ( عليه السلام )ولكنّهم خلطوا هذه العبادة العظيمة والبناءة والّتي تُعتبر ولادة ثانية لحجّاج بيت الله الحرام بالخرافات الكثيرة بحيث أنها خرجت من شكلها الأصلي ونُسخت وتحوّلت إلى وسيلة للتفرقة والنّفاق .
الآية الأولى من الآيات محل البحث تقول ( فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً ) .
إنّ العزّة والعظمة يكملان بالارتباط في الله تعالى لا بالارتباط الوهمي بالأسلاف ،وليس المراد من هذه العبارة أنّكم اُذكروا أسلافكم واذكروا الله كذلك ،بل هو إشارة إلى هذه الحقيقة بأنّكم تذكرون أسلافكم من أجل بعض الخصال والمواهب الحميدة ،فلماذا لا تذكرون الله تعالى ربّ السموات والأرض والرازق والواهب لجميع هذه النعم في العالم وهو منبع ومصدر جميع الكمالات وصفات الجلال والجمال .
أمّا المراد من ( ذكر الله ) في هذه الآية فهناك أقوال كثيرة بين المفسّرين ،ولكنّ الظاهر أنّها تشمل جميع الأذكار الإلهيّة بعد أداء مناسك الحجّ ،وفي الحقيقة أنّه يجب شكر الله تعالى على جميع نعمه وخاصّة نعمة الإيمان والهداية إلى هذه العبادة العظيمة ،فتكتمل الآثار التربويّة للحجّ بذكر الله .
بعد ذلك يوضّح القرآن طبيعة مجموعتين من الناس وطريقة تفكيرهم ..مجموعة لا تفكّر إلاّ بمصالحها الماديّة ولا تتجّه في الدعاء إلى الله إلاّ من هذه المنطلقات الماديّة فتقول ( فمن الناس من يقول ربّنا آتنا في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق ){[298]} .