{ )وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ) ( البقرة:206 )
التفسير:
قوله تعالى:{وإذا قيل له اتق الله} أي إذا قال له أهل العلم ،والإيمان اتق اللهأي اتخذ وقاية من عذاب الله بترك الكفر ،والفساد ؛و{أخذته العزة بالإثم} أي حملته على الإثم ؛و{العزة} بمعنى الأنفة ،والحمية ،والترفع ؛والعزة قد تكون وصفاً محموداً ؛وقد تكون وصفاً مذموماً ،فالمعتز بدينه محمود ،كما قال تعالى:{ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} [ المنافقون: 8]؛والمعتز بحسبه ونسبه حتى يكون عنده أنفة إذا أُمر بالدين والإصلاح مذموم .
والمراد ب{الإثم} الذنب الموجب للعقوبة ؛فكل ذنب موجب للعقوبة فهو إثم .
قوله تعالى:{فحسبه جهنم} أي كافيه ؛وهو وعيد له بها - والعياذ بالله ؛و «الحسْب » بمعنى الكافي ،كما قال الله تعالى:{فقل حسبي الله} [ التوبة: 129] أي كافيني ؛وقال تعالى:{وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} [ آل عمران: 173] أي كافينا ؛فقوله تعالى ؛{فحسبه جهنم} أي كافيته ؛والمعنى: أنه يكون من أهلها - والعياذ بالله و{جهنم} اسم من أسماء النار ؛قيل: إنها كلمة معربة ،وأنها ليست من العربية الفصحى ؛وقيل: بل هي من اللغة الفصحى ،وأن أصلها من الجهمة ؛وهي الظلمة ؛ولكن زيدت فيها النون للمبالغة ؛وعلى كلٍّ فإن{جهنم} اسم للنار التي أعدها الله سبحانه وتعالى للكافرين ؛وسميت بذلك لبعد قعرها ،وظلمتها - والعياذ بالله - .
قوله تعالى:{ولبئس المهاد}: اللام هنا للابتداء ؛أو موطئة للقسم - أي: وواللَّهِ لبئس المهاد - وهذا أقرب ؛و «بئس » فعل جامد لإنشاء الذم ؛وفاعلها{المهاد}؛وهي من الأفعال التي تحتاج إلى مخصوص بالذم ؛والمخصوص محذوف ؛أي: ولبئس المهاد مهاده ،حيث كانت جهنم .
الفوائد:
1- من فوائد الآية: أن هذا الرجل الموصوف بهذه الصفات يأنف أن يؤمر بتقوى الله ؛لقوله تعالى:{أخذته العزة بالإثم} فهو يأنف ،كأنه يقول في نفسه: أنا أرفع من أن تأمرني بتقوى الله عزّ وجلّ ؛وكأن هذا الجاهل تعامى عن قول الله تعالى لأتقى البشر:{يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين} [ الأحزاب: 1]؛وقال تعالى في قصة زينب:{واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} [ الأحزاب: 37] .
2- ومنها: البلاغة التامة في حذف الفاعل في قوله تعالى:{وإذا قيل له اتق الله}؛ليشمل كل من يقول له ذلك ؛فيكون رده لكراهة الحق .
3- ومنها: التحذير من رد الناصحين ؛لأن الله تعالى جعل هذا من أوصاف هؤلاء المنافقين ؛فمن رد آمراً بتقوى الله ففيه شبه من المنافقين ؛والواجب على المرء إذا قيل له: «اتق الله » أن يقول: «سمعنا ،وأطعنا » تعظيماً لتقوى الله .
4- ومنها: أن الأنفة قد تحمل صاحبها على الإثم ؛لقوله تعالى:{أخذته العزة بالإثم} .
5- ومنها: أن هذا العمل موجب لدخول النار ؛لقوله تعالى:{فحسبه جهنم} .
6- ومنها: القدح في النار ،والذم لها ؛لقوله تعالى:{ولبئس المهاد}؛ولا شك أن جهنم بئس المهاد .