)وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( البقرة:63 ) ) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ( البقرة:64 )
التفسير:
ثم ذكَّر سبحانه وتعالى بني إسرائيل بأمر أخذه عليهم ،فقال تعالى:{وإذ أخذنا ميثاقكم} يعني اذكروا إذا أخذنا ميثاقكم ؛و"الميثاق ": العهد الثقيل المؤكد ؛وسمي بذلك من الوَثاق .وهو الحبل الذي يُشد به المأسور ،كما في قوله تعالى:{فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق} ( محمد: 4 )
قوله تعالى:{ورفعنا فوقكم} أي فوق رؤوسكم{الطور} هو الجبل المعروف ؛رفعه الله .تبارك وتعالى .على بني إسرائيل لما تهاونوا في طاعة الله سبحانه وتعالى إنذاراً لهم ،وقال تعالى لهم:{خذوا ما آتيناكم بقوة} أي: اقبلوا ما أعطيناكم من التوراة .كما قال تعالى:{الذين آتيناهم الكتاب} [ البقرة: 121] .واعملوا به بقوة ؛والمراد بال"قوة "هنا الحزم ،والتنفيذ ؛والتطبيق ؛وضده أن يأخذ الإنسان أخذاً ضعيفاً متساهلاً على كسل ؛والباء في قوله تعالى:{بقوة} للمصاحبة ؛أي خذوا هذا الكتاب .أي التوراة التي جاء بها موسى صلى الله عليه وسلم .أخذاً مصحوباً بقوة ،فلا تهملوا شيئاً منه ..
قوله تعالى:{واذكروا ما فيه} أي اذكروا كل ما فيه ،واعملوا به ؛لأن{ما} اسم موصول يفيد العموم ..
قوله تعالى:{لعلكم تتقون}:"لعل "للتعليل ؛أي لأجل أن تتقوا الله عزّ وجلّ ؛فالأخذ بهذا الميثاق الذي آتاهم الله على وجه القوة ،وذكر ما فيه وتطبيقه يوجب التقوى ؛لأن الطاعات يجر بعضها بعضاً ،كما قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} [ البقرة: 183]؛فالطاعات يجر بعضها بعضاً ،لأن الطاعة إذا ذاق الإنسان طعمها نشط ،وابتغى طاعة أخرى ،ويتغذى قلبه ؛وكلما تغذى من هذه الطاعة رغب في طاعة أخرى ؛وبالعكس المعاصي: فإنها توجب وحشة بين العبد وبين الله عزّ وجلّ ،ونفوراً ،والمعاصي يجر بعضها بعضاً ؛وسبق قوله تعالى:{ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} [ البقرة: 61]؛ثم بعد هذا الإنذار ،وكون الجبل فوقهم في ذلك الوقت خضعوا ،وخشعوا ،قال الله تعالى:{وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة} [ الأعراف: 171]؛ففي تلك الساعة هرعوا إلى السجود ؛وسجدوا ؛ولكنهم مالوا في سجودهم ينظرون إلى الجبل خائفين منه ؛ولهذا يقال: إن سجود اليهود إلى الآن سجود مائل كأنما ينظرون إلى شيء فوقهم ؛وقالوا: إن هذا السجود سجدناه لله سبحانه وتعالى لإزالة الشدة ؛فلا نزال نسجد به ؛فهذا سجودهم إلى اليوم ..
/خ64