ثم رجع إلى قصصهم على أحسن وجه فقال:{ وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطّور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون 63} .
{ وإذ أخذنا ميثاقكم} تذكيرا لجناية أخرى لأسلافهم ،أي واذكروا وقت أخذنا لميثاقكم بالمحافظة على ما في التوراة ،{ ورفعنا فوقكم الطور} ترهيبا لتقبلوا الميثاق .وذلك أن الطور اقتلع من أصله ،ورفع وظلّل فوقهم .والطور هو الجبل .وقيل لهم وهو مطلٌّ فوقهم{ خذوا ما آتيناكم} من الكتاب{ بقوة} أي بجد واجتهاد ،{ واذكروا ما فيه} واحفظوا ما في الكتاب وادرسوه ولا تنسوه ولا تغفلوا عنه{ لعلكم تتقون} لكي تتقوا المعاصي ،أو رجاء منكم أن تنتظموا في سلك المتقين ،أو طلبا لذلك .وهذه الآية نظير قوله تعالى في سورة الأعراف{ وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلّة وظنّوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون}{[602]} .
قال الراغب:إن قيل إن هذا يكون إلجاء ولا يستحق به الثواب ،قيل:لم يستحقوا الثواب بالالتزام وإنما استحقوه بالعمل بها من بعد .فأما في التزامها فمضطرون ،وقال بعض الناس:عنى بالطور تشديد الأمر عليهم ،وجعل ذلك مثلا .وذلك بعيد .ومثله قول القاشانيّ:طور الدماغ للتمكن من فهم المعاني وقبولها .فإنه بعيد يأباه ظاهر الآية الأخرى .وإن كان الإطلاق في اللغة لا ينحصر في الحقيقة .