{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{63} ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ{64} وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ{65} فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ{66}}
تعليق على الحلقة الثالثة
من سلسلة الآيات الواردة في بني إٍسرائيل
وهذه الحلقة ثالثة من سلسلة الآيات الواردة في بني إسرائيل في هذه السورة .وفيها وصل ما انقطع بالآية [ 62] التي جاءت استطرادية .وفيها استمرار للخطاب الموجه لبني إسرائيل السامعين في صدد ما كان من آبائهم من مواقف منحرفة بضمير الجمع المخاطب توكيداً للّحمة الوثيقة بين السامعين والآباء الغابرين بقصد الإنذار والتحذير من أن يكرروا مواقف وانحرافات أولئك الآباء .ومن الممكن أن تكون نزلت بعد سابقاتها مباشرة أو بعد فترة ما فوضعت بعدها .
وعبارتها واضحة ،وقد تضمنت حكاية ما كان من رفع الله الطور فوق بني إسرائيل وأخذه عليهم الميثاق بأن يتمسكوا بما أنزل الله إليهم من وصايا وتعليمات بقوة ،ويظلوا يحافظون عليه ويذكروه حتى يقوا غضب الله وما كان من انحرافهم عنه ،وتذكيراً بالذين احتالوا في يوم السبت واعتدوا على حرمته من أولئك الآباء ،وما كان من غضب الله عليهم ومسخه إياهم قردة ؛ليكون ذلك نكالاً للمنحرفين في كل وقت وعبرة وموعظة للمتقين .
وأسلوب الآيات كأسلوب ما سبقها يلهم أن اليهود المخاطبين يسمعون أموراً معروفة متداولة بينهم عن آبائهم مما فيه توثيق لقوة الإنذار والتحذير لهم .
ولقد روى الطبري عن مجاهد أن الله رفع فوقهم الطور بقصد قذفه عليهم ؛لأنهم أبوا أن ينفذوا أمره فيدخلوا الباب سجدا ويقولوا حطة .وعن ابن عباس أن الله أنذرهم بقذف الجبل عليهم إذا لم يلتزموا بميثاقه .وروح العبارة تفيد أن الله رفع فوقهم الجبل فعلاً .وهذا وارد في الآية [ 171] من سورة الأعراف .وعبارة هذه الآية تفيد أن ذلك كان من قبيل إظهار معجزة لهم حينما أمرهم بإطاعته والتزام وصاياه وعلى كل حال فالأٍسلوب التذكيري الذي وردت به العبارة القرآنية يفيد أن بني إٍسرائيل كانوا يسمعون أمراً واضح المدى في أذهانهم ووارداً في بعض قراطيسهم على ما نبهنا عليه في سياق تفسير آية سورة الأعراف .
وعدوان بني إٍسرائيل على السبت ومسخ المعتدين قردة مما ورد في سورة الأعراف ،وقد علقنا على ذلك بما يغني عن التكرار .
والمتبادر أن جملة{فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ} قد عنت ما كان من عفو الله عنهم وتوبته عليهم بعد انحرافهم إلى عبادة العجل في حياة موسى ولجاجهم معه مما ذكر في الآيتين [ 52 و54] من آيات الحلقة الثانية ،وما كان بعد ذلك من صلاح أحوالهم واستقامة أمورهم ردحاً من الزمن .
هذا ،ومع أن ما في الحلقة هو في صدد بني إسرئيل فإن فيما احتوته تلقيناً مستمراً للمسلمين أيضا كما هو شأن الحلقات السابقة سواء في وجوب التمسك بتعاليم الله وعدم الانحراف عنها ،أم في عدم الاحتيال عليها .