{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ )
( البقرة:76 ) )أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} ( البقرة:77 )
التفسير:
قوله تعالى:{وإذا لقوا} الضمير يعود على اليهود ؛أي إذا قابلوا ،واجتمعوا ب{الذين آمنوا} أي بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم
{قالوا} أي بألسنتهم{آمنا} أي دخلنا في الإيمان كإيمانكم ،وآمنا بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم هذا إذا لقوا المؤمنين ؛و{إذا خلا بعضهم إلى بعض} أي إذا أوى بعضهم إلى بعض ،وانفرد به قال بعضهم لبعض:{أتحدثونهم}: الاستفهام هنا للإنكار ،والتعجب ؛والضمير الهاء يعود على المؤمنين بالرسول صلى الله عليه وسلم يعني يقول اليهود بعضهم لبعض إذا اجتمعوا: كيف تحدثون المؤمنين بالله ورسوله{بما فتح الله عليكم} أي من العلم بصحة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
{ليحاجوكم به عند ربكم}: اللام للعاقبة .أي أن ما حدثتموهم به ستكون عاقبته أن يحاجوكم به عند ربكم ..
قوله تعالى:{أفلا تعقلون}: الهمزة للاستفهام ؛والمراد به التوبيخ ؛يعني: أين عقولكم ؟!أنتم إذا حدثتموهم بهذا ،وقلتم: إن هذا الذي بُعث حق ،وأنه نبي يحاجونكم به عند الله يوم القيامة ..
قوله تعالى:{أفلا تعقلون}؛الفاء واقعة بعد همزة الاستفهام ؛وهذا يكثر في القرآن:{أفلا تعقلون}؛{أفلا تذكرون}؛{أفلم يسيروا}؛{أو لم يسيروا}؛{أثم إذا ما وقع آمنتم به}؛وأشباه ذلك ؛يعني أنه يأتي حرف العطف بعد همزة الاستفهام ؛وهمزة الاستفهام لها الصدارة في جملتها ؛ولا صدارة مع وجود العاطف ؛لأن الفاء عاطفة ؛فقال بعض النحويين: إن بين الهمزة وحرف العطف جملة محذوفة عُطفت عليها الجملة التي بعد حرف العطف ،وهذه الجملة تقدر بما يناسب المقام ؛وقال آخرون: بل إن الهمزة مقدمة ؛وإن حرف العطف هو الذي تأخر .يعني زُحلق حرف العطف عن مكانه ،وجعلت الهمزة مكانه ؛وعلى هذا فيكون التقدير: فألا تعقلون ؛أما على الأول فيكون التقدير: أجهلتم فلا تعقلون ؛أو: أسفهتم فلا تعقلون ...المهم يقدر شيء مناسب حسب السياق ؛فالقول الأول أدق ؛والثانية أسهل ؛لأن الثاني لا يحتاج عناءً وتكلفاً فيما تقدره بين الهمزة والعاطف ..
الفوائد:
. 1 ومن فوائد الآية: أن في اليهود منافقين ؛لقوله تعالى:{وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ...} إلخ ..
. 2 ومنها: أن من سجايا اليهود وطبائعهم الغدر ؛لقوله تعالى:{وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض ...} إلخ ؛لأن هذا نوع من الغدر بالمؤمنين ..
. 3 منها: أن بعضهم يلوم بعضاً على بيان الحقيقة حينما يرجعون إليهم ؛لقوله تعالى: ( وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) ..
. 4ومنها: أن العلم من الفتح ؛لقولهم:{بما فتح الله عليكم}؛ولا شك أن العلم فتح يفتح الله به على المرء من أنواع العلوم والمعارف ما ينير به قلبه ..
. 5ومنها: أن المؤمن ،والكافر يتحاجَّان عند الله يوم القيامة ؛لقولهم:{ليحاجُّوكم به عند ربكم}؛ويؤيده قوله تعالى: ( ثم إنكم بعد ذلك لميِّتون * ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} [ المؤمنون: 15 ) ..
. 6ومنها: سفه اليهود الذين يتخذون من صنيعهم سلاحاً عليهم ؛لقولهم: ( أفلا تعقلون ) .
. 7ومنها: الثناء على العقل ،والحكمة ؛لأن قولهم:{أفلا تعقلون} توبيخ لهم على هذا الفعل ؛وأنه ينبغي للإنسان أن يكون عاقلاً ؛ما يخطو خطوة إلا وقد عرف أين يضع قدمه ؛ولا يتكلم إلا وينظر ما النتيجة من الكلام ؛ولا يفعل إلا وينظر ما النتيجة من الفعل: قال النبي صلى الله عليه وسلم"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً ،أو ليصمت "{[111]} ..
. 8ومنها: أن كفر اليهود بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم عن علم ؛ولهذا صاروا مغضوباً عليهم ..