وقوله:( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ) الآية .
قال محمد بن إسحاق:حدثنا محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس:( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ) أي بصاحبكم رسول الله ، ولكنه إليكم خاصة . ( وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا ) لا تحدثوا العرب بهذا ، فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم ، فكان منهم . فأنزل الله:( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ) أي:تقرون بأنه نبي ، وقد علمتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه ، وهو يخبرهم أنه النبي الذي كنا ننتظر ، ونجد في كتابنا . اجحدوه ولا تقروا به . يقول الله تعالى:( أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ) .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس:يعني المنافقين من اليهود كانوا إذا لقوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا:آمنا .
وقال السدي:هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا . وكذا قال الربيع بن أنس ، وقتادة وغير واحد من السلف والخلف ، حتى قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، فيما رواه ابن وهب عنه:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال:"لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن ". فقال رؤساؤهم من أهل الكفر والنفاق:اذهبوا فقولوا:آمنا ، واكفروا إذا رجعتم إلينا ، فكانوا يأتون المدينة بالبكر ، ويرجعون إليهم بعد العصر . وقرأ قول الله تعالى:( وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ) [ آل عمران:72]
وكانوا يقولون ، إذا دخلوا المدينة:نحن مسلمون . ليعلموا خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره . فإذا رجعوا رجعوا إلى الكفر . فلما أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم قطع ذلك عنهم فلم يكونوا يدخلون . وكان المؤمنون يظنون أنهم مؤمنون فيقولون:أليس قد قال الله لكم كذا وكذا ؟ فيقولون:بلى . فإذا رجعوا إلى قومهم [ يعني الرؤساء] قالوا:( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) الآية .
وقال أبو العالية:( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) يعني:بما أنزل الله عليكم في كتابكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم .
وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة:( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ) قال:كانوا يقولون:سيكون نبي . فخلا بعضهم ببعض فقالوا:( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) .
قول آخر في المراد بالفتح:قال ابن جريج:حدثني القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد ، في قوله تعالى:( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) قال:قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة تحت حصونهم ، فقال:"يا إخوان القردة والخنازير ، ويا عبدة الطاغوت "، فقالوا:من أخبر بهذا الأمر محمدا ؟ ما خرج هذا القول إلا منكم ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) بما حكم الله ، للفتح ، ليكون لهم حجة عليكم . قال ابن جريج ، عن مجاهد:هذا حين أرسل إليهم عليا فآذوا محمدا صلى الله عليه وسلم .
وقال السدي:( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) من العذاب ( ليحاجوكم به عند ربكم ) هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا وكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به . فقال بعضهم لبعض:( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) من العذاب ، ليقولوا:نحن أحب إلى الله منكم ، وأكرم على الله منكم .
وقال عطاء الخراساني:( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) يعني:بما قضى [ الله] لكم وعليكم .
وقال الحسن البصري:هؤلاء اليهود ، كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا:آمنا ، وإذا خلا بعضهم إلى بعض ، قال بعضهم:لا تحدثوا أصحاب محمد بما فتح الله عليكم مما في كتابكم ، فيحاجوكم به عند ربكم ، فيخصموكم .