استقر المؤمنون في المدينة ،وبدأ الناس يسألون عن أمور شتى تهمّهم في دينهم ودنياهم ،وهذا سؤال من هذه الأسئلة ،يرد في مجتمع جديد متطلع إلى المعرفة .وكان من جملة السائلين معاذ بن جبل وثعلبة بن غنيم ،وكان سؤالهم: ما بال الهلال يبدو دقيقا كالخيط ،ثم يزيد حتى يستوي ويعظم ويستدير ،ثم لا يزال ينقص ويدِق حتى يعود كما بدأ ؟فأجابهم الله تعالى إجابة مختصرة مفيدة لهم في حياتهم وتعاملهم: إن الأهلة أمارات وتوقيت يعرف بها الناس الشهور والسنين ،ويعلمون أوقات زراعتهم وتجارتهم وعباداتهم كالحج والصيام .لقد اكتفى بهذا الجواب المختصر لأنه أقرب إلى فهمهم ،وهم إذ ذاك أمة أمية لا دراية لها بعلم الفلك ولا الفضاء .
ثم أردف ذلك بقوله تعالى:{وَلَيْسَ البر بِأَن تَأْتُواْ البيوت مِن ظُهُورِهَا} .
وهذه إشارة إلى أن الأنصار كانوا إذا حجّوا فجاؤوا لم يدخلوا بيوتهم من قبل أبوابها بل من ظهورها ،فجاء رجل منهم وخالف العادة فعُيِّر بذلك ،فأبطل الله هذه العادة ،وأمرهم أن يدخلوا البيوت من أبوابها دائما وفي كل الأحوال .ثم بين لهم أن البر الحقيقي هو الابتعاد عن المعاصي والتحلي بالفضائل واتّباع الحق وعمل الخير .
القراءات:
قرأ أبو عمرو وورش وحفص «ليس البر » بضم الباء ،وقرأ الباقون «البر » بكسر الباء ،وقرأ نافع وابن عامر «ولكن البر » بتخفيف لكن ورفع البر .