الحنيف: المستقيم لأنه مائل عن الزيغ والباطل .
خليلاً: صديقاً محبا .
وقد أردف سبحانه بعد ذلك ذِكر درجات الكمال فبيّن: أن أساس عمل الخير منبعث من الاعتقاد السليم ،وأنَّ أحسنَ الدين أن يُخلص المرءُ فيجعل وجهه وعقله ونفسه لله ،لا يطلب إلا رضاه .بذلك تستقيم مداركه فيدرك رسالة الرسل .وقد عبّر سبحانه عن توجُّه الإنسان لله بالوجه ،لأن الوجه أعظمُ مظهرٍ لما في النفس من إقبال وإعراض ،وشرود وكآبة ،وذلك مرآة لما في السريرة .
{واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} أي: المِلّة التي كان عليها إبراهيم في ابتعاده عن الوثنية وأهلها ،وعند سيدنا إبراهيم تلتقي الوحدة الدينية للمسلمين واليهود والنصارى ،فاتّبِعوا طريقَ من أكرمه الله فاتخذه خليلاً .
وفي هذا الآية رد قاطع على كل من حدّثته نفسه بأنه هو أحسن من غيره ،أو دينه أحسنُ من دين غيره ،دون أن يعمل عملاً صالحا ويؤمن إيماناً كاملا .فقد كانت اليهود والنصارى يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه ،ودينُنا خير دين .ولعل فكرة الاستعلاء هذه راودت بعض المسلمين فقالوا نحن خير أمة أُخرجت للناس ،وأن الله متجاوز عما يقع منّا على أساس من ذلك ...
لقد جاء هذا النص يردّ هؤلاء وهؤلاء إلى الصواب ،فهناك عند الله ميزان واحد هو إسلام الوجه لله ،مع الإحسان واتباع ملة إبراهيم .
فأحسنُ الدين هو هذا الإسلام ،ملة إبراهيم ،وأحسن العمل هو الإحسان ،والإحسانُ أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك .