ثم أخبر سبحانه وتعالى أن فريقاً من ضعاف الإيمان يفعل ذلك فقال: فترى الذين في قلوبهم مرض ..
هذا تصويرٌ لحال المنافقين وبعضِ ضعاف الإيمان في المدنية .لم يكونوا واثقين من نجاح دعوة الإسلام ،فكانوا يوالون اليهود ويسارعون إلى ذلك كلّما سنحت لهم فرصة .لذا ورد قوله تعالى{يَقُولُونَ نخشى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ} بمعنى أننا نخاف أن نتعرض لكارثة عامة فلا يساعدوننا .عسى الله يا محمد ،أن يحقق النصر لرسوله وللمسلمين على أعدائهم ،أو يُظهر نفاق أولئك المنافقين ،فيصبحوا نادمين آسفين على ما كتموا في نفوسهم من كفر وشك .وقد تحقق وعد الله بالنصر للمؤمنين .
كان هذا النداء موجهاً في الأصل إلى المسلمين في المدينة المنورة ،لكنه جاء في الوقت ذاته موجّها لكل المسلمين في جميع أركان الأرض ،وفي كل زمان ومكان .وقد أثبت التاريخ والواقع أن عِداء النصارى لهذا الدين وأهله في معظم بقاع الأرض ،لم يكن أقلَّ من عداء اليهود .وأكبر شاهدٍ هو ما يجري اليوم من دَعم أمريكا وأوروبا جميعها لليهود وتثبيتهم في فلسطين بكل ما يستطيعون من قوة ومال .فالنصارى بدافعٍ من تعصبهم قد حملوا للإسلام منذ ظهوره كلَّ عداوة وضغنٍ ولا يزالون .ولا نزال نعاني من الحروب الصليبية التي لم تنته إلى الآن .ولذلك فإن قوله تعالى:{بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} حقيقةٌ قائمة .
أما النصارى العرب الذين يعيشون معنا ولا يمالئون الأعداء ضدّنا فإنهم مواطنون في ديار الإسلام ،لهم ما لنا وعليهم ما علينا .والمعاملة التي يلقَونها أكبر شاهد على ذلك .بل إنهم في كثير من الحالات قد أخذوا أكثرَ مما لهم .وحتى اليهودُ الذين يعيشون في البلاد العربية ،فإنهم معزَّزون مكرمون ما داموا يخدمون المجتمع الذي يعيشون فيه ضمن القانون ،ونحن عندما نطلق كلمة نصارى أو يهود نقصد بذلك أولئك المعتدين من الغربيين وغيرهم .