الولاية: التناصر والمحالفة .
ومن يتولهم منكم: من يتخذهم أنصاراً وحلفاء .
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة صار الكفّار معه ثلاثة أقسام .
قسم صالحهم ووادعهم على أن لا يحاربوه ولا يظاهروا عليه أحدا ولا يوالوا عليه عدوه ،وهم على دينهم آمنون على دمائهم وأموالهم .
وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة .
وقسم تركوه فلم يصالحوه ولم يحاربوه ،بل انتظروا إلامَ يؤول أمره وأمر أعدائه .
وقد عامل الرسول كل طائفة من هؤلاء بما أمره الله به .فصالَح يهودَ المدينة ،وكتب بينه وبينهم عهداً بكتاب .وكانوا ثلاثة طوائف هم: بنو قينقاع ،وبنو النُضير ،وبنو قريظة .فحاربه بنو قينقاع بعد معركة بدْرٍ وأظهروا البغي والحسد .ثم نقض العهدَ بنو النُّضير بعد ذلك بستة أشهر .ثم نقض بنو قُريظة العهدَ لما خرج إلى غزوة الخندق ،وكانوا أشد اليهود عداوة للنبي والإسلام .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير في تفسيره عن عطية بن سعد قال: «جاء الصحابي عبادة ابن الصامت ،من الخزرج ،إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ،إن لي موالي من اليهود كثيرٌ عددُهم ،وإني أبرأُ إلى الله ورسوله من ولاية يهود ،وأتولى الله ورسوله .وكان عبد الله بن أبي- رأس المنافقين- حاضراً ،فقال: إني رجل أخاف الدوائر ،لا أبرأ من مولاة مواليّ .فقال له رسول الله: يا أبا الحباب ،أرأيتَ الذي نفِستَ به من ولاء يهود على عُبادة ،فهو لك دونه » قال: إذنْ: أقبَل .فأنزل الله تعالى:{يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى}
يا أيها الّذين آمنوا ،لا يحِلُّ لكم أن تتّخذوا اليهودَ ولا النصارى نُصراءَ لكم على أهل الإيمان بالله ورسوله ،فمن اتخذَهم كذلك فهو منهم ،واللهُ ورسوله بريئان منه .
{بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} إن اليهود بعضُهم أنصار بعض ،والنصارى بعضهم أنصار بعض ،وقد يتحالف اليهود والنصارى معاً ،أما أن يتحالفوا أو يصدُقوا مع المسلمين فلا .وفي واقعنا الحاضر شاهد على ذلك ..ولقد نقض اليهود ما عقَده الرسول الكريم معهم من العهد من غير أن يبدأهم بقتال .وكذلك فعلت أوروبا في الحروب الصليبية ،وتفعل أمريكا اليوم مع كل من يطلب الحرية لشعبه ،والمسلمين خاصة .
{إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين} إن الله لا يهدي الذين يظلمون أنفسهم منكم بموالاة أعداء المؤمنين .
فإن اليهود بتدبير من النصارى ،وبقوة سلاحهم أيضاً جاؤوا واغتصبوا فلسطين وأجواء من سورية ومصر ،بمعونة أمريكا وسلاحها ومالها ،ولا يزالون في حماية أمريكا .وحتى أوروبا والدول الغربية جميعاً فإنهم يعطِفون على اليهود أعداء العالم أجمع ونحن بحكم جهلنا ،لا نزال نستنصر أمريكا وغيرها ونطلب المعونة منها ،مع أننا لو اجتمعت كلمتُنا ووحّدنا صفوفنا ،لما احتجنا إلى شيء من ذلك .ولكنّنا تفرّقنا ،وبعُدنا عن ديننا ومزّقتنا الأهواء وحب المناصب .بذلك قوي اليهود من ضعفنا ،فهم يهدّدوننا ،ويهاجمون بلداننا وقرانا ،ويعيثون في الأرض فسادا .هذا وكلُّ منّا يود المحافظة على منصبه ويبيع في سبيله كل ما عداه .