قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أولياء بَعْضُهُمْ أولياء بَعْضٍ} .
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض ،ولكنه بين في مواضع أخر أن ولاية بعضهم لبعض زائفة ليست خالصة ،لأنها لا تستند على أساس صحيح ،هو دين الإسلام ،فبين أن العداوة والبغضاء بين النصارى دائمة إلى يوم القيامة ،بقوله:{وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ والبغضاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [ المائدة: 14] ،وبين مثل ذلك في اليهود أيضاً ،حيث قال فيهم:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يشاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [ المائدة: 64] ،والظاهر أنها في اليهود فيما بينهم ،كما هو صريح السياق ،خلافاً لمن قال: إنها بين اليهود ،والنصارى .
وصرح تعالى بعدم اتفاق اليهود معللاً له بعدم عقولهم في قوله:{تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ} [ الحشر: 14] .
تنبيه
أخذ بعض العلماء من قوله تعالى:{بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} أن اليهودي ،والنصراني ،يتوارثان ،ورده بعض العلماء ،بأن المراد بالآية ،ولاية اليهود لخصوص اليهود ،والنصارى لخصوص النصارى ،وعلى هذا المعنى فلا دليل في الآية لتوارث اليهود والنصارى .
قوله تعالى:{وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} .
ذكر في هذه الآية الكريمة ،أن من تولى اليهود ،والنصارى ،مِن المسلمين ،فإنه يكون منهم بتوليه إياهم ؛وبين في موضع آخر أن توليهم موجب لسخط الله ،والخلود في عذابه ،وأن متوليهم لو كان مؤمناً ما تولاهم ،وهو قوله تعالى:{تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِى الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْلهِ والنبي وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أولياء وَلَكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [ المائدة: 80- 81] .
ونهى في موضِع آخر عن تَوليهم مبيناً سبب التنفير منه .وهو قوله:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الآخرة كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} [ الممتحنة: 13] .
وبين في موضع آخر: أن محل ذلك ،فيما إذا لم تكن الموالاة بسبب خوف ،وتقية ،وإن كانت بسبب ذلك فصاحبها معذور ،وهو قوله تعالى:{لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شيء إِلاَ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} [ آل عمران: 28] فهذه الآية الكريمة فيها بيان لكل الآيات القاضية بمنع موالاة الكفار مطلقاً وإيضاح ،لأن محل ذلك في حالة الاختيار ،وأما عند الخوف والتقية ،فيرخص في موالاتهم ،بقدر المداراة التي يكتفي بها شرهم ،ويشترط في ذلك سلامة الباطن من تلك الموالاة .
ومن يأتي الأمور على اضطرار *** فليس كمثل آتيها اختيارا
ويفهم من ظواهر هذه الآيات أن من تولى الكفار عمداً اختياراً ،رغبة فيهم أنه كافر مثلهم .