/م51
التّفسير
لقد حذرت الآيات الثلاث الأخيرة المسلمينبشدّةمن الدخول في أحلاف مع اليهود والنصارى ،فالآية الأولى منها تمنع المسلمين من التحالف مع اليهود والنصارى أو الاعتماد عليهم ( أي أنّ الإِيمان بالله يوجب عدم التحالف مع هؤلاء إن كان ذلك لأغراض ومصالح مادية ) حيث تقول الآية: ( يا أيّها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ...) .
وكلمة «أولياء » صيغة جمع من «ولي » وهي مشتقة من مصدر «الولاية » وهي بمعنى التقارب الوثيق بين شيئين ،وقد وردت بمعنى «الصداقة » و«التحالف » و«الإِشراف » .
لكن بالنظر إلى سبب النّزول والقرائن الأُخرى الموجودة ،فإنّ المراد ليس منع المسلمين من إقامة أي علاقات تجارية واجتماعية مع اليهود والنصارى ،بل المقصود هو منع المسلمين من التحالف مع هؤلاء أو الاعتماد عليهم في مواجهة الأعداء .
وكانت قضية التحالف رائجة في ذلك العصر بين العرب ،وكان يطلق على ذلك «الولاء » .
والملفت للنظر في هذه الآية أنّها لم تعتمد تسمية «أهل الكتاب » لدى تحدثها عن اتباع الديانتين السماويتين المعروفتين ،بل استخدمت كلمتي «اليهود والنّصارى » وربّما يكون هذا إِشارة إلى أنّ اليهود والنصارى لو كانوا يعملون بكتابيهم السماويين ،لكان اتباع هذين الدينين خير حليفين للمسلمين ،لكنّهم اتّحدوا معاًلا بأمر من كتابيهمبل لأغراض سياسية وتكتلات عنصرية وأمثال ذلك .
بعد ذلك تبيّن الآية سبب هذا النهي في جملة قصيرة ،وتقول بأن هاتين الطائفتين إِنّما هما أصدقاء وحلفاء أشباههما من اليهود والنصارى حيث تقول: ( بعضهم أولياء بعض ) أي أنّهما يهتمان بمصالحهما ومصالح أصدقائهما فقط ،ولا يعيران اهتماماً لمصالح المسلمين ،ولذلك فإن أي مسلم يقيم صداقة أو حلفاً مع هؤلاء فإِنّه سيصبح من حيث التقسيم الاجتماعي والديني جزءاً منهم ،حيث تؤكّد الآية في هذا المجال بقولها: ( ومن يتولهم منكم فإِنّه منهم ) .
وبديهي أنّ الله لا يهدي الأفراد الظالمين الذين يرتكبون الخيانة بحق أنفسهم وإخوانهم وأخواتهم المسلمين والمسلمات ،ويعتمدون على أعداء الإِسلام تقول الآية: ( إِنّ الله لا يهدي القوم الظالمين ) .
/خ53